THE VOICE OF ENIGMA

بالأمس قررت أن أكون وحيداً مع صوت “إنيجما”، قررت أن أكون مخلصاً لها لمرة واحدة، وفي ليلة كاملة لا يقاسمني الوقت سواها، كنت من قبل أعتبرها جزءاً من الليل، لا أنام إلا إذا استمعت إلى صوتها لدقائق معدودة، كأنني أخذتُ عهداً على نفسي، وعداً سرياً بيني وبينها ألا أذهب إلى سريري دونها، دون القليل من صوتها الذي أشعر به كصوت يأتي من فضاء بعيد، صوت لا صورة ولا وجه لصاحبته، وبالتالي كنتُ أملك خيالاً حراً في أن أضع صوتها على وجه من أختار وأحب، وفي الغالب كنتُ أجعله -كما هو- صوتاً بلا جسد، بلا وجه، صوتاً لا تتحدّث به امرأة عادية، وهكذا تركته طليقاً وحراً.
بالأمس قررتُ أن أعتزل أصدقائي.
قررتُ أن أختار العزلة مع سجائري وقهوتي وصوت “إنيجما”


قلتُ لنفسي إن هذا الصوت يستحق ليلة كاملة يبدأ وينتهي بها، وكان لي ما أردت، وشاهدت واستمعت إلى أسطوانتين DVD، ولا أخفي عنكم حجم الدهشة من الصوت العميق، الصوت الذي يشبه صوت الروح، والدهشة الأجمل من هذا الإحساس المتدفق من هذه المشاهد التي ترافق الموسيقى والصوت، إن الإبداع يكتمل في ثلاثية عجيبة: الصوت والموسيقى والتصوير المذهل، لا شيء هنا متروك للصدفة أوالاستسهال، الصوت في جماله وعمقه، والكلمات في روعتها ودلالتها، والموسيقى في اختلافها وسحرها، والتصوير الشاعري الذي تشبه فيه كل لقطة قصيدة شعرية يمكن تفسيرها بآلاف الكلمات.
قضيت ليلة كاملة وحيداً مع “إنيجما” على ضوء ثلاث شمعات، وأمام جهازي التليفزيون والـ DVD، وكأنني اختصرت بهجة الحياة، ومتعة الوقت في ليلة واحدة سمعت وشاهدت فيها:
– SADENESS
– MEACULPA
– PRINCIPLES OF LUST
– THE RIVERS OF BELIEF
– RETURN TO INNOCENCE
– THE EYES OF TRUTH
– THE VOICE OF ENIGMA
– FIND LOVE
– CALL US WENT AWAY
ولم يفتني وأنا غارق في هذا الحب، هذا العشق لصوت “إنيجما” أن أتابع إضافة إلى الصوت والكلمات والموسيقى، تفاصيل الفكرة التي تحملها أغنياتها، تفاصيل الأزياء التي تبدو في الفيديو كليب، تفاصيل الأماكن.
كل شيء جعلني مسحوراً، وغاضباً إلى حد النقمة من الأغنيات العربية المصورة، من هذه الفيديوكليبات الغارقة في التفاهة والسطحية التي تزدحم بها القنوات العربية، غاضباً وناقماً على سباق الإثارة والعري الذي تتنافس عليه وفيه مطرباتنا العربيات دون اهتمام بالصوت ولا بالكلمة ولا الموسيقى، ولا بأي شيء سوى الأزياء التي تكشف عن أجسادهن، وكأن الغناء العربي قد تحوَّل -فجأة- إلى غناء بالجسد، وعلى المستمعين أن يشاهدوا أولاً قبل أن يسمعوا، إنها لعبة على إفساد الذوق وتدمير الإحساس.
ستبقى -إذن- ليلتي مع “إنيجما” ليلة نادرة وجميلة، ولن أنتظر طويلاً حتى أكررها، وكلما احتجت إلى جرعة فنية راقية ذهبت إلى “إنيجما” وصوتها وموسيقاها لتنقذني من صخب وضجيج الموسيقى والأغنيات التي بلا روح.
ولعل من الإنصاف والصدق مع النفس أن أعترف بأنني لست مع الذين يهاجمون مايكل جاكسون في كل شيء، وأي شيء، ويجب أن نعترف بأنه قدّم أغنيات جميلة وعميقة، ومازلت أذكر له أغنية أسمعها وأشاهدها بين الحين والآخر اسمها “الأرض”، وهي صرخة فنية وغنائية مدهشة ضد كل ما نمارسه من دمار وعبث بالإنسان وكوكب الأرض.
أقول هذا لنفتح عيوننا على الفن الجميل، وأن نعترف للآخرين بما يقدّمونه من إبداع وتجريب، وألا ندفن رؤوسنا في الرمال ولا نرى عيوبنا.. وما أكثرها.

اترك تعليقاً

Your email address will not be published.

Default thumbnail
المقالة السابقة

أخاف عليك من صوتي

Default thumbnail
المقالة التالية

غبار لا يصل القلب

اخر المقالات من سيرة الحنين والفوضى