نثر الرماد

(1)

دعيني أخبرك بسر:

منذ منعني أبي من اللعب

على محطة القطار

وأنا أتوقع أن أراك مصادفة

كأن تكوني على المقعد المجاور

في أي قطار في العالم

تقرأين كتاباً تافهاً عن الحظ والأبراج

أو تنظرين بملل إلى الحقول الخضراء

التي تتكرر دون قصد

ربما تكونين نائمة

فيما يركض المزارعون خلف أبقارهم

وتحط الطيور على أسلاك الكهرباء

وأنت لا تجدين في المشهد مبرراً

لتذكر رائحتك في البيت.

ستكونين نائمة،

يا لسعادتك العظيمة

لأنك لا تعتقدين بجدوى التأمل والشرود

ولهذا سأحبك،

قد لا أتبادل معك كلمة واحدة

لكنني سأحبك بعمق

لأنك تخلصت بسهولة وذكاء

من قلق هوجو .. ومايكوفسكي

لأنك سبحت في بحيرة ( فرجينيا وولف)

دون أن تخسري نعمة النوم خلف نافذة القطار.

(2)

دعيني أبوح لك بسر :

أنا أكثر أنانية مما تتوقعين

لأن لدي بيتاً صغيراً

أقابلني كثيراً في الصالة وفي المطبخ،

وأمام مرآة الحمام وخلف الباب

أدخل إلى سريري فأجدني نائماً إلى جواري

وأسمع صدى صوتي على الهاتف

حين تتداخل موجات البث

وإذا اتصلت بعامل البيتزا

خاطبني باسمي المسجل في جهازه الإلكتروني

أنا أكثر أنانية مما تتوقعين

لأن بطاقة الـ ATM تحمل بياناتي الشخصية

وموظف البنك على الهاتف المجاني

يعرف اسم أمي

لذلك أحب نفسي كثيراً

وأوزع عاطفتي على بياناتي العائلية

وألوان جواربي وطاولة الأنتريه البنية

ولأنني هكذا،

أتحقق مرتين من فصل المكواة عن الكهرباء

ومن إغلاق محبس الغاز

خوفاً من احتراق ثروتي العظيمة من رسائلي العاطفية

وحتى لا أموت بالقهر

نسخت كل تاريخي السري على USP

وأوصيت به إلى حارس البناية.

(3)

دعيني أبوح لك بسر:

أنا الآن أكرهك كثيراً

لأنك لم تراعي طفولتي المتأخرة

لم تغفري لي اللعب أمام البيت

لم تقدري لماذا أغلق هاتفي أحياناً

لأنام مبكراً دون أن يقتلني أصدقائي

بالسهر والنميمة،

أكرهك الآن وأبكي

لأنني أكره آخر من أحببت

أكرهك كما كرهت معلم الحساب

والحلاق العجوز والاستيقاظ عند الفجر

دعيني أبوح لك بسر: أنا الآن أحبك

وأكرهك أكرهك بما يكفي

لأسأل أمي الرضا والدعاء.

(4)

سأبوح لك بسر:

تعلمت على يديك الكثير

تعلمت أن أستقبل الغرباء هادئاً

حين يطرقون الباب

وقد أشتري صندوقاً زجاجياً

لأربي فيه الثعابين الملونة

لأنني لن أخاف أحداً كما أخافك

فما من أحد سيقتلني مثلك

ما من أحد سيراقبني بمتع

وأنا أرتعش في موتي

دون أن أعرف كيف أوقف ابتسامتك

فوق قبري.

(5)

ماذا يعني ألا تكوني هنا؟

ماذا يعني أن يمر يومكِ بسلام وطمأنينة

دون أن تلقي نظرة أخيرة على أصابعي

وتتذكري كيف كنت أدخرها لك

كهدايا ثمينة لا ترد؟

ماذا يعني أن يصرخ البرق خلف نافذتي

دون أن تقفزي حافيةً تحت المطر

دون أن تقترحي أن نقطع الشارع

لأجل رجفة البرد المفاجئة؟

ماذا يعني أن أقف على الهاتف

مثل حارس أجير،

أُعطل الاتصال بغيركِ

وأتجنب الرد على سواكِ،

وأترك الآخرين يموتون غيظاً

أمام البريد الصوتي؟

ماذا يعني أن تعبري الشوارع ذاتها

الشوارع التي عبرناها كعاشقين

دون أن تقفي دقيقة حداد واحدة

دون أن تتركي وردة حمراء

أمام مطعم الوجبات السريعة

أو تلقي السلام سراً على رائحتي؟

ماذا يعني ألا أقول “أحبكِ” وأصمتُ؟

ماذا يعني ألا أكتفي منكِ بالقليلِ والموجز؟

ماذا يعني أن أعاتبكِ بقسوةٍ

حين يتبدد ضوؤكِ في المساءات الغريبة؟.

هل أقول: كل خطواتي التي مشيتها إليكِ

لم تترك أثراً على أي رصيف؟

هل أقول: كأن حياتي غبار بلا عاصفة

مجرد غبار خفيف يقع على الأكتاف

وأطراف الشجر فلا ينتبه إليه أحد؟

أقول لكِ الحقيقة: لن أحبكِ هكذا.. وأصمتُ

وسأعاقبكِ في كل مرةٍ يهطل المطر على نافذتي

وأنا أبحث عن طفولتكِ

وحصتي الضائعة من برد الشتاء.

اترك تعليقاً

Your email address will not be published.

المقالة السابقة

خمس وردات إلى عينيها

المقالة التالية

حالات

اخر المقالات من تأويل جميلة

في البدء كانت جميلة

في البدء كانت الكلمة، ربما، لكنني أظن أنه في البدء كانت النظرة، وكانت جميلة، كأن ترى

اعتذار الفراشة

أحط بين يديك يا جميلة، لأعتذر عن حماقة صاحبي، جناحاي معطلان، جناحاي ثقيلان بالذنب حتى ترضين،

صائد التفاصيل

  الجحيم في التفاصيل، ربما.. وأولئك الذين يعيشون بذاكرتهم البصرية قد يكونون في لحظة ما أتعس

ليست مجرد امرأة

– اكتب، قل شيئاً، أي شيء، أكمل روايتك اليتيمة، لا تترك رقبتي هكذا دون جوهرة تليق