نبوءة الخاسر في الأولمبياد

سباحة:

كنت طفلاً حين صفعني أبي لأول وآخر مرة

كنت أسبح في مياه بركة راكدة

وأصطاد السمك الصغير بيدي

ولأنه كان يخاف عليّ من الغرق

ومن دودة البلهارسيا

صفعني لأول وآخر مرة

ولم يقدر حجم رغبتي في الموت

بالبلهارسيا

لأكون شبيهاً بعبد الحليم

ومن يومها كرهت السباحة

واستبدلت هواية الصيد

بصناديق أسماك الزينة

تجديف:

كثيراً ما حاولت الوصول إليكِ

كثيراً ما رأيتك موجة زرقاء

نداهة غامضة في بحر عميق

وكلما اقتربت منكِ تهربين

كلما لامست وجهك المراوغ

تنقلبين عاصفة

ويتكسر قاربي على رمالك الناعمة

خاسر أنا ووحيد

وفاشل في تتويج قلبي

بميدالية واحدة

لأنك تتقلبين كموجة زرقاء

والحكم الأولمبي أعمى

رماية:

في كل يوم

تستأجرين قاتلاً جديداً

تكونين فريقاً محترفاً من الرماة

واحداً بالغيرة

وآخر بالعناد

وثالثاً بحجة توطيد الصداقات الإنسانية

ورابعاً بالحماقة المطلقة

والحديث عن النسب وصلة الدم

وخامساً بضرورات التكيف

مع الظرف الطارئ

في كل يوم

تدربين فريقك على قتلي

ببطء

واحتراف

وتعلنين عن جائزة مضاعفة

لمن يحصد الذهب

على جثتي

رفع  أثقال:

تدربت على الألم،

تدربت على البكاء بصمت

كنخيل القرى،

تدربت على أن أحمل ذنوبي

وشروري الصغيرة وأمشي،

تدربت على ألا أقول لا

حين يترك إخوتي ملح دموعهم

في عيني،

تدربت على الصبر،

ورفع أمري إلى الله،

تدربت على أوزان الحسرة

والانكسارات والصداقات الزائفة،

تدربت على احتمال أعداء النجاح،

وتفاهات الحسد والغيرة،

لكنني قبلك

لم يعلمني أحد

كيف أدخل جثتي كل صباح وأبتسم

آه ما أثقل ما تعلمت على يديك

ما أثقل ما أرفعه كل صباح

على كتفي

وأبتسم .

مصارعة حرة:

لست حراً لأختار الفريق المنافس

لست حراً بما يكفي

لأطلب منكِ سيدتي

أن توجهي كلمة إلى جمهورك المتعصب،

وأن تقولي لهم أن يشجعوا بروح رياضية

و لا يشوهوا اسمي

لست حراً تماماً كما أظن

لأطلب من يصارعني باسمك

أن يصرعني برأفة تليق بك

كحبيبة طيبة،

اطمئني

فأنا لا أطمع في ميدالية ذهبية

أو فضية أو برونزية

أنا يا سيدتي

لا أحب أن أصارع أشباحاً وأكاذيب،

لا أحب سوى شيء واحد:

ألا تكوني ميدالية في أولمبياد عام

مبارزة:

من يبارزني؟

أنا فرد واحد وعاشق وحيد

من يتقدم بسيفه؟

عجباً لا أرى أحداً أمامي

لكنني أموت

لا أرى من يطعن قلبي

لكنني أموت

ظهري مكشوف مثل حفل الافتتاح

من لديه بدعة جديدة

فليتقدم

من لديه حيلة للقتل

فليتقدم

اطعنوا

اقتلوا

ظهري مكشوف وعار باسم حبيبتي

فأطلقوا ألعابكم النارية

بين عمودي الفقري

ارقصوا على عظامي

وسوف تصفق الجماهير الغفيرة

لأن عاشقاً واحداً ووحيداً يموت

على الهواء مباشرة

والقاتل المحترف

القاتل الأولمبي

يفوز بالجائزة

باسم حبيبتي.

غطس:

قلت لكم إن السباحة لم تكن ضرورة

لأصبح رجلاً في مجلس العائلة،

كان يكفيني أن أعقد حاجبي بتكشيرة مهيبة،

وأن أقطع نصف أشجار الطريق

حتى أجد العصا التي تليق بي،

ولذلك لم أغطس في أي بحر

أو نهر أو خليج،

ولذلك أيضاً

تمرح حبيبتي على الشواطئ القريبة والبعيدة

تفتح عينيها على اتساعهما

تحت نظارتها السوداء،

وتحمد الله أنني فاشل في السباحة وفي الغطس

وأنها تستطيع لو أرادت

أن تغرقني في شبر ماء•

أربعمائة متر حواجز:

كلما عبرت حاجزاً

وقعت على وجهي

كلما اقتربت من يديها

رأيت أصابعها تسد الطريق

كعشرة حواجز إضافية

من لحم ودم

عشرة حواجز غير مسجلة

في البرنامج الأولمبي

ابتكرتها امرأة خوافة

لتتوج خسارتي في الحب

هكذا..في كل مرة

أقطع 400 متر حواجز

وأكاد أحصد اللقب

لكن المرأة الخائفة

تفسد الحفل

وترفع أصابعها العشر

وتقول: لا يستحق الجائزة.

ثلاثة آلاف متر موانع:

ضعي ثلاثة آلاف متر أخرى

على طريقي،

ضعي خشب الغابات،

واستوردي من الجبال العظيمة

الصخور المدببة

اطلبي من شركات النقل الثقيل

أن توقف عرباتها في وجهي

واقترحي على لجنة التحكيم

أن تجردني من حذائي

قولي لهم:

– لا أريده أن يصل خط النهاية

دون أن أرى دمه على قدميه

لا أريد لأحد أن يكرمه بالورد

أو الذهب

أريده لي وحدي

خاسراً كما أخذته

خاسراً كما أتركه.

رمي الرمح:

من أين تأتيك الطعنة القاتلة؟

من سيرمي الآن قلبك؟

وكم متراً ستقطع في هروبك؟

انظر فوقك

انظر كيف يصعد الرمح في الهواء

ويتبعك كقذيفة موجهة

اسمع كيف يصفق الجمهور

ويهلل السادة في المقصورة الرئيسية

وأنت تهرب كثور أعمى

من الرمية الفاصلة

من الرمح الذي لا يريد سواك

مت أيها الضحية

ولا تطلب اسم قاتلك

لا توصي طفلك بالثأر

لأن قاتليك سيتلقون فيك العزاء

كأصدقاء الطفولة

مت دون صرخة أو وصية

تلق الرمح الآن.. الآن

افتح له قلبك كوردة

أو أغنية.

فروسية:

الخيل متعبة

والأرض مغطاة بالوحل

فكيف سيلف حصانك ثانية؟

كيف ستجهزه للقفزة الفائزة؟

استرح،

ترجل كفارس قديم

الزمان ليس لك

والنبلاء في الحروب .. تساقطوا

وشرف العداء يموت على الطرقات

ترجل وعد إلى بيتك القروي

اجلس أمام البيت كنصب مجهول

يلعب حوله الأطفال

وتروي عنه الأمهات

كتعويذة تجلب الخير والنوم

أطلق خيولك في البراري والحقول

قل لمنظمي الأولمبياد:

علمني أبي الخصومة وجهاً لوجه

فكيف ألعب في السر

كيف أبتسم مثل جنتلمان مهذب

ثم أطعن في الخفاء؟

 

اترك تعليقاً

Your email address will not be published.

المقالة السابقة

ولم تكن اللوحة هناك

المقالة التالية

خمس وردات إلى عينيها

اخر المقالات من تأويل جميلة

في البدء كانت جميلة

في البدء كانت الكلمة، ربما، لكنني أظن أنه في البدء كانت النظرة، وكانت جميلة، كأن ترى

اعتذار الفراشة

أحط بين يديك يا جميلة، لأعتذر عن حماقة صاحبي، جناحاي معطلان، جناحاي ثقيلان بالذنب حتى ترضين،

صائد التفاصيل

  الجحيم في التفاصيل، ربما.. وأولئك الذين يعيشون بذاكرتهم البصرية قد يكونون في لحظة ما أتعس

ليست مجرد امرأة

– اكتب، قل شيئاً، أي شيء، أكمل روايتك اليتيمة، لا تترك رقبتي هكذا دون جوهرة تليق