مقاطع من ديوان الوسيلة المتاحة للبهجة

 

 مقاطع من الفصلُ الأوّلُ

 

الوسيلةُ المتاحةُ للبَهجةِ
(فصلان في الجحيم)

 

    • دار الانتشار- بيروت 2008
      • دار التلاقي- القاهرة 2010

       

 

 


1

قلتُ لَها لحظةَ استردّتْ شَفتَيها:
مِنْ هُنا تَخرجُ الأسماءُ
مِنْ هُنا تُدخِلُ الملاعقُ،
حافّةَ الفِنجانِ،
الفيروساتِ والعَدْوَى..

اتْبِعيِني..
ثمّةَ مَقبرةٌ مكيّفةٌ فِي البيتِ
مَقبرةٌ بسريرٍ واحدٍ
تَنتهي غالباً بِظلالٍ سامّةٍ
سنأكلُ اللّعنةَ ببطءٍ وفرحٍ
نشربُ غُبارَ الكُتُبِ،
والأسطواناتُ الموسيقيّةُ المخزّنةُ
فِي غرفةِ النَّوم ِ
رُبَّما سَأوصِيِ بِها للنّارِ
أَو رُبَما يبيعونَها لتسديدِ
قروضِ البنك ِ
والمقاهِي.


2


تَعَالي..
سَأُطفئُ الأنوارَ عَمْداً
وأناديكِ: حبيبتي
فتستيقِظ ُ حَواسيَ الخَمسُ فِي أطرَافِي
خُذِي أصَابعي لأنها لا تمسكُ بشيء
لا تلمسُ أحداً إلا وبكيتُ بعدَه وحيداً..
حرِّرِي يديَ اليُمنَى من الذلِّ والأرَقِ،
والإشارة لسائِقي التاكسي آخرَ الليل
خُذي الجلدَ.. واللحمَ..
والعظمَ الذي لم أشربْ لَه ما يَكفِي
من لبنِ الماعزِ والأبقارِ


3

أودُّ الآنَ أَنْ أقتلَكِ
لأمنحكِ فرصَةً ذهبيّةً للبراءةِ والغُفـرانِ،
لتذهَبِي غارقةً فِي الدّمِ والشهادةِ..

آهٍ أيتُها المحبَطةُ
لنُمتْ جميعاً بصرَخاتنا العمياءِ
ليخرُج كلٌّ مِنّا من جِلدِه الذِي غطّاهُ
بالحريرِ والعطرِ
لنزحف على أيدِينا مشوّهينَ
ونبتلعَ الترابَ والرّملَ
لنمتْ بالطريقةِ الِتي لا نستحِقُّها
الطريقةِ التِي لا تخطرُ لَنَا على بالٍ..
عراةً ..
وحيدينَ ..
وأفواهُنا مملوءةٌ بالحَسْرةِ والبُكاءِ..


4


هَلْ تفهَمينَ أيّتُها الطيّبةُ
لمَاذا تهربُ عافِيتي دون سبب؟

لمَاذا بكى أَبي قبلَ موته مذعوراً
كأنَّما قتلَ إلهاً عظيماً؟

لماذَا صَفعَنيَ القائدُ العسكريُّ
حينَ أخبرتُه عن انتهاءِ صلاحيةِ الطعامِ المعلّبِ؟

لماذَا ينتظرُ صديقيَ المثقّفُ موتِي بفضيحةٍ
ليجدَ طريقةً مناسبة لتشويهِ قداسَتِي الكاذِبةِ؟

لماذَا يصلُ الموتُ متأخّراً
حينَ نكونُ جَوعَى وضائِعينَ؟

لماذَا ماتَ جدّيَ الأوّلُ،
وفايزُ الحلاَّقُ، وبائعُ الليمونِ،
دونَ أَن يذوقُوا طعمَ النّسكَافِيه؟



5

مِنْ عادَتِي أّلا أورّطَ نفسِي فِي صداقاتٍ جديدةٍ
ربّما لأنّني أقِيسُ المسافةَ بينَ رُوحي والآخَرِينَ
بقدرِ ما لدَيهم من الحزنِ..
المرأةُ التي أحِبُّها
لا بدَّ أن توقِظَني باكيةً
لأنّها لا تجدُ فِي أحلامِها ما يُبهِجُ
وأصدِقائي يجبُ أَنْ يدخّنُوا كآلاتٍ مسرطنةٍ
وعليهم – إذا أرادُوا كسبَ موّدتِي-
أَنْ يتلصّصوا عَلى العابرين أمامَ المَقهَى،
وأن يرْصُدوا حجمَ الفراغِ ما بين عابرٍ وآخر..

ولأنّني هكَذَا
يسهلُ خِداعي
كَأَنْ أحبَّ امرأةً حزينةً
لسبب ليسَ عميقاً كما توهّمت..



6

تَعَالَي
سَأحمُلكِ عَلَى كتِفي إلَى البحرِ
وأشتري لكِ الوردَ والحلوَى ..


نَامِي “سابينا”
سأَذبحُ لكِ الحمامَ الذي يطيرُ
الحمامَ الذي يوقظُ أُمّي ساعةَ الفجرِ
مِنْ أجلِ القمحِ والماءِ
سأحكي لكِ عن الأميرةِ والأميرِ
وستِّ الحُسنِ والجَمالِ
وحقولِ الذرةِ التي عبرتُها يوماً
هارِباً مِنْ عفاريتِ النّخيلِ والمقابرِ


 

 

اترك تعليقاً

Your email address will not be published.

Default thumbnail
المقالة السابقة

حياة ثقيلة على ساق واحدة

المقالة التالية

اعتذار الفراشة

اخر المقالات من الوسيلة المتاحة للبهجة

الرمل

كلّما بكَيتُ عرفتُ الحنينَ إلى قَبرِي..، قد يحدثُ فِي الأربعينَ، أن أراكَ أيُّها الموتُ، تعرفُ طريقِي

المرأة

مَنْ يفتحُ البحرَ لعاصفةٍ؟ بعنايتِها، هذه الرسولةُ، آمنتُ بِضَلالِي، ..اطمئنّوا، هيَ، ذاتُها ، بلا رحمةٍ ،

الذئاب

  أعرفُ.. اليسارُ ليسَ جهةَ القلبِ، والروحُ أبعدُ من غيمةٍ. ..هل الأرضُ غيرُ مهيأةٍ لوردة واحدةٍ،

الباب

الخشبُ المقطوعُ من شجرٍ مجهولٍ يبدو ظامئاً لمياهِ نهرٍ بعيدٍ ظامئاً لرائحةِ نّجار ماتَ قبلَ مائتي

البكاء

فِي فندقٍ له اسم امرأة فِي الطابق الذي أسفلَه بارٌ لم أكتشفْه إلا متأخِّرا فِي الغرفةِ