ما قاله بجماليون عن جالاتيا


(..في الميثولوجيا الإغريقية يروى أن “بجماليون” (Pygmalion) كان نحّاتاً عظيماً، صنع تمثالاً من العاج لامرأة جميلة من وحي خياله، وحين انتهى منه وقع في غرامه، وتوسل في دعواته إلى فينوس أن تبث الروح فيه، وحين تحول التمثال إلى امرأة حية من لحم ودم، أعطاها بجماليون اسم جالاتيا، وتزوجها، وأنجبا بنتاً أطلقا عليها اسم: بافوس..)
1
كنت وحيداً أشد شعر رأسي أمام جبل الرخام
ليس في أصابعي غير رجفة مضاءة بالبرودة
جهزت الحجر بحجم امرأة لا تتسرب الروح منها إلا في نشوة الغناء
وبدأتُ
حفرتُ عينيها كقبلتين تطلان على عزلتي، وبالليل لوَّنت شعرها القصير
شعرها الذي يكره أن يرى أحد غيري المسافة ما بين العنق والكتفين

2 أصابعي انشغلت زمناً، تراجعت خطوتين لأعرف كان الحجر امرأة لا ينقصها غير أن تجد باباً في الصخر، لتقفز بين يدي، كأنما اقتطعت من روحي نارها وماءها، كأنها من أصابعي أخذت نعومة القطن ورائحة الحقول، كيف لخشونة يدي القرويتين أن تقترح الحرير جسداً يملأ الأرض حولي؟ 3 لأن البيت كان ضيقاً تعثر الحجر في فراغه•• لم يبق سوى أن أملأه بالعاصفة، أن أجد له طريقاً ليجرب كائنات الطين، تلوت كتب الصلوات والأدعية المستجابة، وبكيت أمام وجه فينوس، بكيت حتى سقطت في النوم تحت قدمي المرأة الحجرية 4 أيتها المعشوقة، يا صنيع يدي وجنوني، أيتها الفكرة الناضجة كفاكهة الصيف، أنت أيتها الحجر، يا امرأة مثل صوت لا يغادر أصحابه إلا بالموت، أنت يا مقيدة بالصمت والبرودة، جهزي بدنك الحجري لتقعي في حجري كتفاحة خضراء، غايتك أن تكوني، وغايتي أن أكون لسان حالك، سيد قلبك، أيتها الناعمة كقصيدة شاعر مجهول، اخرجي من ذرات رمالك إلى ذرات هوائي، سأتبعكِ حتى آخر الكواكب، وأتنفسكِ بلا حقد على أحد 5 تقول فينوس : لن تكون وحيداً لتحك ظهرك بأصابعك المتيبسة، كم حفرت في رخامك من الوجوه ولم تلاق أحداً، كم اكتسى وجهك بالغبار دون أن تنطق أحجارك، تتسلل إلى سريرك منقوصاً كجثة بلا يدين، ها أنا اليوم أهديك شبعاً في النهار وألفة في الليل•• أغمض عينيك أمام رخام المرأة المتخفية في الغيب، اختر لها اسماً.. وابتهج قلت: جالاتيا قالت فينوس: هذا اسمها فنادها ليدخل الهواء رئتيها بالحب، بصوتك وحدك، ولتكن جالاتيا•• فتعقب خطوها، واملأ قبضتيك بالضوء كل ليلة قبل أن تنام، افتح عينيك الآن وسترى (6) ورأيت ما صنعت يداي (7) تعالي إلى الآخر، أنا، أيتها المكتفية قبلي بالرمل، تباهي على قريناتك المصنوعات من العاج، قولي إن لك روحاً من النار، إن لك سيداً ترينه بالعين، سيداً ستنامين على صوته، وتستعيدين أمامه تاريخك العائلي في الجبال البعيدة، رخامتك الأولى، فطرة الرمال والرياح المتعاقبة، تعالي أيتها المخلوقة من هذياني، سأمشي على هواء أنفاسك، وأقصدك، أشير إليك كلما ضاقت المعجزة بالناس (8) – اسمي بجماليون قولي خلفي، انطقي أول حروف لغتك، كل حروف لغتك ( ب – ج – م – ا – ل- ي – و – ن )، هذا البيت بجماليون، هذه الجدران بجماليون، الشوارع والأشجار، الماء والنار، الليل والنهار، بكاؤك حين تختبرين القبلة، حين تبتهلين كالحوريات لأعيدك إلى يدي، أنا طعامك وشرابك، نعاسك ويقظتك، كل ما ترينه على الأرض، فخذي الأسماء من سيدك إلى سيدك، خطاياك في السر ذنب، خطاياك في الحب ذنب، تموتين بجواري إذا لم تكوني في جواري، هذا دمي بين يديك ،موسيقاي على أوتارك، أحببتك لأفسد وحدتي، فلا تكشفي عن قلبك إلا لعيني، لا تنفقي لسانك إلا في فناء اسمي، كلما رأيتك قلت: جالاتيا، كلما رأيتك قلت لأصابعي :لك البهجة، أصابعي المعفاة من الحزن بعدك

اترك تعليقاً

Your email address will not be published.

Default thumbnail
المقالة السابقة

مقابلة متوقعة مع أصدقاء قدامى

Default thumbnail
المقالة التالية

مأساة صانع الفولاذ

اخر المقالات من سيرة الحنين والفوضى

THE VOICE OF ENIGMA

بالأمس قررت أن أكون وحيداً مع صوت “إنيجما”، قررت أن أكون مخلصاً لها لمرة واحدة، وفي