قبله هل كان الشعر يمشي على الأرض؟ قبله لم يكن للشعر قدمان، كان له أجنحة لا يلمسها إلا من استطاع أن يطير خلفها. قال القروي: أي صياد هذا الذي ألقى بشبكته في محيطات اللغة، فجاءه الذي يجري على ألسنة الناس، فإذا الذي على ألسنتهم يضيء في قناديله قصائد؟
قال القروي الغارق في خجله: أي رجل هذا الذي يتبع جرأته، بل أية جرأة هذه التي هي روح الرجل؟ وأي قدرة هذه على جعل عادي الكلام والأشياء شعراً جميلاً:
(دعيني أترجم بعض كلام المقاعد
وهي ترحب فيك
دعيني، أعبر عما يدور ببال الفناجين،
وهي تفكر في شفتيك..
وبال الملاعق، والسكرية
دعيني أضيفك حرفاً جديداً
على أحرف الأبجدية
دعيني أناقض نفسي قليلاً
وأجمع في الحب بين الحضارة والبربرية..)
كان القروي ينظر حوله فلا يجد غير سطوة العيب والحذر: عيبٌ أن تنظر، عيبٌ أن تترصد، وعيبُ أي عيبٍ أن تصف ما رأيته قصداً أو غصباً، لكن الدمشقي الذي وقعت أوراقه بين يدي القروي كان أجرأ من السري والخفي، أجرأ من الممنوع والمحظور. قرأه القروي فإذا النخيل حوله نساء، وطين البيوت أجساد، وجريان ماء الترع الصغيرة دموع عاشقين:
(أين أذهب بك؟
أين تذهبين بي؟
وكل المقاهي تحفظ وجوهنا عن ظهر قلب
وكل الفنادق تحفظ أسماءنا عن ظهر قلب
وكل الأرصفة تحفظ موسيقى أقدامنا
عن ظهر قلب..
نحن مكشوفان للعالم كشرفةٍ بحريه
ومرئيان كسمكتين ذهبيتين..
في إناءٍ من الكريستال..)
قرأ الفتى “نزار” فارتعشت عصاه قبل روحه، قال: هذا شاعر يجرح اللغة فتسيل دماؤها ويذهب فرحها وحزنها إلى كل قلب ودرب، أي سهل مشى على عشبه، وأي تل في اللغة صعده فإذا بالذي يظنه الناس عصياً هو سهل على من لمس الحب قلبه:
(حرامٌ عليكِ..
حرامٌ عليكِ..
أخذتِ ألوف العصافير مني
ولون السماء..
وصادرتِ من رئتي الهواء
أريدكٍ..
أن تمنحيني قليلاً من الوقت،
كي أتذكر باقي النساء)
نزار، هل استرحت الآن حين أغرقت الناس في الحب؟ هل رسمت على شفتيك ابتسامة، وأنت ترى صوتك على كل لسان؟ هل ضجت روحك بالضحك الجميل وأنت تراقب ضحاياك الذين يحملون شعرك منقذاً. آهٍ ما أجمل ضحاياك حين تكون أمراضهم سهداً وقلقاً، حين تكون دموعهم ألقاً خلف نساء قصائدك. ما أجمل جرائمك يا سيدي حين تضرب بسوط العشق كل شريان وقلب
ارفعي يديك عن عاداتي الصغيرة
وأشيائي الصغيرة
عن القلم الذي أكتب به
والأوراق التي أخربش عليها
وعلاقة المفاتيح التي أحملها
والقهوة التي أحتسيها
وربطات العنق التي أقتنيها
إرفعي يديك عن كتابتي
فليس من المعقول أن أكتب بأصابعك
وأتنفس برئتيك.
ليس من المعقول أن أضحك بشفتيك
وأن تبكي أنت بعيوني
وأشيائي الصغيرة
عن القلم الذي أكتب به
والأوراق التي أخربش عليها
وعلاقة المفاتيح التي أحملها
والقهوة التي أحتسيها
وربطات العنق التي أقتنيها
إرفعي يديك عن كتابتي
فليس من المعقول أن أكتب بأصابعك
وأتنفس برئتيك.
ليس من المعقول أن أضحك بشفتيك
وأن تبكي أنت بعيوني
مقال كاريكاتيزما – مجلة الصدى – 18 سبتمبر 2011
" ما أجمل جرائمك ياسيدي "
في الحياة جريمة ترتكب في حقنا قادرة على تحويلنا الى مجرمين .. وهذا ما حدث مع القباني الذي قتلت حبيبته اﻷولى وهي شقيقته بسيف التقاليد حين زوجوها من شخص لا تحبه فأقدمت على اﻷنتحار فثار على التقاليد وحاول ذبحها على أعتاب محراب عيني شقيقته ثم ماتت حبيبته الثانية بلقيس فأزدادت رغبته في القتل فجعل من القلم سكينا قتل به الملايين وكان أول الضحايا طفل يسكن في أعماقه يسمى " نزار القباني "