ليست مجرد امرأة

– اكتب، قل شيئاً، أي شيء، أكمل روايتك اليتيمة، لا تترك رقبتي هكذا دون جوهرة تليق بها، لا تظن أنني نسيت، لا تظن أنني أغمض عيني لحظة عما تقوله وتعد به، اكتب، قل شيئاً، اصرخ، أريدك أن تبكي علناً وألا تفسد في الصمت روحك، مثلك لا يجدر به الصمت أو العدم، ومثلي لا يحلم بغير مهرك، فأعطني مهري، أعطني ما وعدت به، أعطني كتابي، وعلق في رقبتي جوهرتك الثمينة.

– أكتبكِ، كيف أكتبكِ هكذا؟ لو قلتُ “أحبك” لن أضيف شيئاً جديداً، لأن باستطاعة أي مراهق عاطفي أن يقول “أحبك” لامرأة جميلة، ولو قلتُ ” أحبك” لن أكون حداثياً مغامراً، وسأبدو كمن يصفك بالقمر أو النجوم أو بسحابة ممطرة، وقد تفرحين، وتجدين سبباً عظيماً للزهو والغرور، لكنني سأكون ساذجاً وتافهاً، وسأكره غبائي وجهلي، لأنني ببساطة لم أستطع إلا أن أقول “أحبكِ”، فدعيني إذن أصمت، دعيني إذن أبكي، لأن الصمت والبكاء دليلان جميلان على فشلي، آه لو تعرفين كم أود أن أكون فاشلاً كبيراً في وصفك، لا عاشقاً عظيماً.. وتافهاً.

– كيف تراني؟

– لا أرى غيركِ.

– لماذا تحبني؟

– لأنني أحبك، هكذا تسرب الفرح إلى دمي يوماً بعد يوم، امرأة كانت فكرة واحتمالاً، وربما مستحيلاً رابعاً، فإذا بي أمامك، وإذا بتفاحة اكتشافك تسقط بين يدي وأنا يائس تحت شجرة الوعد، فكيف لا أحبكِ، هكذا أدرك أن في الحياة حقيقة هي أنت، فأرى فيك ما سمعت وقرأت عنه، امرأة نبوءة تتكلم، وتمشي، وتقف، وتغضب، وتسامح قبل أن أطلب الغفران، فكيف لا أحبك؟! هي أنتِ، رائحة الأم والأخوات، ودعاء الجدة حين تتمنى للحفيد البكر النعمة وراحة البال، وملمس غطاء السرير الصغير في طفولة القرى، ومذاق الطعام الشهي من فم الفرن إلى فم الابن المهاجر، والغناء في مواسم الزواج والحصاد. أنت المبتدأ والخبر، والجملة المفيدة وبلاغة البهجة حين تتقابل اللهجات واللغات. كيف لا أحبك، وفي صوتك عسل ممالك النحل، وخضرة الحقول على جانبي القطار، وشقاوة اللعب تحت ظلال النخيل، وفي عينيك شجر البرتقال وطناً وبيتاً، وفي سرير يدك اليمنى جنة لا تشبه غيرها، كيف أكون غبياً ولا أحبك، كيف لا أبصر روحكِ في بياضها، كيف تكونين هنا وأنا أعبر جسر الحياة دون أن أملأ سلالي من ثمار محبتكِ، كيف لا أقفز في البحر حين أرى البحر في حنانك؟!

– كأنك الآن تكتب في وصفي وصفاتي.

– الكتابة مماتة وأنت حياة، فلا تظني بي السوء، لا تظني أنني في حياة واحدة أستطيع وصفك، عيناك حياة، وروحك حياة، وقلبك حياة، وصمتك حياة، وكلامك حياة، خطوك، بكاؤك، حنانك، عطرك، عنادك، وغفرانك، وكل صفة حياة، كل حالة حياة، فكيف أقدر في حياة واحدة أن أصل إليك؟

– ألا تخافني؟

– لا أخاف منكِ، أخاف عليكِ، وكل ما أخشاه أن تظني أنك بالنسبة لي مجرد امرأة جميلة، تضع العطر برفق تحت أذنيها، وهي تتوقع أنني سأخمّن العلامة التجارية لرائحتها، وأحسب ما دفعته بسخاء لأجل حاسة واحدة من حواسي الخمس.

– لكم أخاف أنا منكَ!

– لماذا؟

– أخاف أن أقول “أحبكَ”، فتظنّ أنني أحبكَ فقط!

اترك تعليقاً

Your email address will not be published.

المقالة السابقة

صباح الخير حبيبي

المقالة التالية

صائد التفاصيل

اخر المقالات من تأويل جميلة

في البدء كانت جميلة

في البدء كانت الكلمة، ربما، لكنني أظن أنه في البدء كانت النظرة، وكانت جميلة، كأن ترى

اعتذار الفراشة

أحط بين يديك يا جميلة، لأعتذر عن حماقة صاحبي، جناحاي معطلان، جناحاي ثقيلان بالذنب حتى ترضين،

صائد التفاصيل

  الجحيم في التفاصيل، ربما.. وأولئك الذين يعيشون بذاكرتهم البصرية قد يكونون في لحظة ما أتعس