من كتاب قصيدة النثر العربية
دار الانتشار العربي
……
تقصد الدراسة بهذا العنوان إيضاح العلاقة بين إيقاع التفعيلة المستقرة في ذاكرة الموسيقى الشعرية وقانونها من خلال بنية تكوينها، أي من خلال مقاطعها , فالتفعيلات العروضية تتكون مثلاً من مقاطع ثلاثة أو نوى ثلاثة هي : فا , علن , علتن , وردت في بنية الانتظام في الشعر التقليدي وشعر التفعيلة الذي حررها فقط من عدد ترددها في السطر الشعري بدلا من سلطة النظام والنموذج الكائن في عدد محدد من التفاعيل لكل بحر، أما محاولة قصيدة النثر فكانت كسر هذا النمط الانتظامي التتابعي لخصائص التفعيلية وحركتها في سياق النص , وخلق علاقة جديدة لها تقوم على الخلل المتماهي مع التوتر الانفعالي وحركته غير المنضبطة أوالمنتظمة تحقيقاً مع مبدأ تجاوب المعطى الإيقاعي مع المكون الانفعالي بوصفه نتاجاً، يكشف العلاقة بين حركة الشعور -الكائن بين مد وجزر- وحركة الدلالة .
والدراسة ستتخذ من تكوين النوى الثلاث إجراء تحليليا إيقاعية يختلف عن النظام الذي أقرته الإيقاعية الخليلية , حيث حافظت الإيقاعية الخليلية على انتظام وتتابع النواتين اللتين تشكلان تفعيلة البحر الذي تسير عليه موسيقة القصيدة في انتظام وسيمترية محكمة، منضبطة، مقننة , هذا النظام الصارم الذي يتأكد وجوده قبل وجود القصيدة، أي أنه معد سلفاً , سابقاً على وجودها الذي لم يتشكل بعد , شكل جاهز لتجربة غير جاهزة !! , ومن هنا كان سعي قصيدة الحداثة – التي تربت في حضن التفعيلة زمناً إبداعياً طويلاً، استوعبت فيه كل إمكانات الإيقاع المقدس والذاكرة المحتلبة وقرع الطبول، الذي يشكل ابتهاج القبائل – إلى الانفلات من قبضة السلطة الإيقاعية المستقرة والاتجاه إلى براءة الإنسان وبراءة الإبداع , فأصبح لكل حالة إيقاعها ولكل حالة تكويناتها وزمنها الخاص , واضطرابها وتواترها وانحيازها لذاكرة خاصة على حساب الذاكرة الجمعيةالتي تنتفي تكرس النموذجية والتقديس، وتنفي الخصوصية والتفرد التي تقوم عليها قصيدة النثر، وتحرص على الحياة في كنفها وهوائها الطبيعي وهو النقي المعنتق من تعقيم العرف الضيقة .
كانت التفعيلة في القصيدة الموزونة تتشكل عبر تردد نواتين تردداً منتظماً من النوى الثلاث المكونة لإيقاع الشعر العربي ، وقد رصد كمال أبوديب تحولات الإيقاع وانتظامه من خلال هذه النوي في دراسة مطولة أعدها بديلا للقراءة العروضية التي عرفتها الذاكرة العربية في كتابه “البنية اللإيقاعية للشعر العربي ” .
وإذا حدث نوع من عدم الانتظام المحكم لحركة النواتين في سياق القصيدة , أصبح عيباً وخللاً أطلق عليه بعض النقاد كسراً عروضياً، يلام عليه الشاعر، وكثيراً ما كان يقع شاعر في معضلة يفرضها السياق أو القامية حتى يستقيم هذا النمط الإيقاعي المنتظم فيخالف القاعدة الصرفية أو النحوية أو اللغوية تمسكاً بالنظام الموسيقي وحفظاً على انتظام الحركة الإيقاعية المقدسة، وكان النقاد يقولون عن الشاعر الذي يقع في قصيدته هذا الجرم أنه صالح “الخليل ” وخاصم ” سيبويه ” وهذا يؤكد مدى صلابة الوعي الجمالي وحرصه على التقليد لا نزوعه نحو ذاته التي تختلف عن ذوات الآخرين في علاقتها مع نفسها ومع العالم , ويؤكد عدم الرغبة في النظر في الوعى الجمالي الموروث ومناقشته وربطه بسياق اللحظة الجمالية المتغيرة ,فالكسر العروضي أو الخلل في انتظام تردد النوى داخل التفعيلة له دوافعه على اعتبار أن المنجز الكتابي رد فعل للدافع أو حركة الداخل , فهو ناتج عن خلل أو كسر في حركة الشعور أو نبض الروح أو توتر العواطف أو ارتعاش النفس واضطرابها أو كسرها !! وبالتالي تكون صورة الإيقاع في وضعها المصاب بالخلل استجابة طبيعية لخلل الذات وتغير حالتها , وتجسيداً للفطري والعفوي , وإشارة إلى التدفق الذي تحرص عليه قصيدة النثر . أما الحفاظ على النسق والسيمترية أو تتابع نوى التفعيلة عبر سواكنها ومتحركاتها في إطار تنظيم صارم يؤكد القصدية , ويشير إلى أن “الإيقاعات المعدة سلفاً في كتابات الشعراء تخضع بقدر – قل أو كثر – لنوع من القصدية التي تخرج النص من براءة الابداع”(280) .
وفي هذا السياق اكرر ما قاله رفعت سلام :” ما من شيء يغري بالنشيد , ولا – حتى بالرثاء . فمن أين يجيء الإيقاع المضبوط , القياسي , المتواصل بلا اختلال , فيما الكون يعج بالفوضى , والروح بالتضارب ؟ أمن خارج الكون ؟ أم من خارج الروح ؟(281).
في ظل هذه الرؤية لعلاقة التلقائية بالإيقاع وعلاقة الحالة الشعورية بحركة النوى المكونة للإيقاع(282) . ستتناول الدراسة قصيدة ” الأصدقاء” لكمال عبد الحميد ” من ديوان الوسيلة المتاحة للبهجة –فصلان في الجحيم (283) ،لترصد حركة الإيقاع المنطلقة مع حرية الكتابة الإبداعية،وتطالع التشكيلات الايقاعية التي تحققها الذات في عزفها وبكائها وأنينها ونحيبها وهمسها وصراخها ،في صمتها وتأملها لجراحها وللكون :
الأَصدقاءُ
كنتُ أقفُ على مقابِرهِم
أسألُ : كيفَ ماتوا مرةً واحدةً ؟
وكان الحفارُ قد جاوَزَ المائة بِعامين
هكذا رأيتُه وهو يتقيأ دماً أسودَ
ولا يجيبُني
كنتُ خائفاً بعد أن عرفتهم واحداً واحداً
ومطمئناً لأنني لستُ بينهم
وبعد أن تحسستُ عظامهم
بكيتُ
لم تكن أحقادُهم معَهم
كانوا طيبينَ إلى حد الأسَى
لكنني بكَيتُ بمرارةٍ أكثرَ
وارتعشتُ أمام عظامٍ أعرفُها.
أنا هنا إذاً
ولذا كان الحفَّارُ يبكي
وكان الدمُ الذي يتقيأه أسودَ
والمقابرُ التي بحجمِ شقةٍ متوسطةٍ
قطعتُها جرياً في ثلاث ساعاتٍ ..
ثلاثَ ساعاتٍ وأنا التفت خلفِي هارباً
ولأنني أتقلبُ كثيراً في كوابيسي
أيقظتنِي زوجتي على حافة السريرِ
قبلَ حركةٍ واحدةٍ من السقوطِ .
قطعت هذه القصيدة أواصر الصداقة مع النمط الاعتيادي سواءً أكان كلاسيكياً أم تفعيليا على مستوى البنية الإيقاعية , كما أنها تركت تقينة المجاز بمفهومه الأرسطي، واتجهت صوب ما يعمق حداثتها فخرجت على النمط البدائي الواحد،واغترفت من بنية الفنون الأخرى خصوصا السرد , وأضفت على بنيتها ما يعزز عمقها ووعيها وتخليها على السطحية وانتسابها إلى الحداثة .
لقد فرض السرد إيقاعه على بنية القصيدة وأضفى عليها مسحة التأمل والهدوء , فالشاعر راو، يسرد من الداخل،إنه راو عليم ، يصف وهو يلتحم بالأمكنة والأزمنة، له حضور عيني من خلال ضمير المتكلم .
وهناك تباين بين إيقاع السرد وإيقاع الحوار وإيقاع المجاز , فـ”إيقاع أسلوب السرد ووصف الأمكنة لا بد أن يكون أكثر ميلاً إلى الهدوء والبطء من إيقاع أسلوب المحادثة أو الحوار الذي يميل إلى السرعة في الإيقاع لكونه يقوم على عناصر الحديث الذي يحمل أسئلة وإجابات (284)، وبتعبير آخر ” إيقاع السرد ينبع من ذات الفرد الكاتب وهو يسترسل بالوصف أو الحدث تبعاً لرغباته الخاصة , بينما يتألف إيقاع الحوار من المشاركة مع الآخر , أي أنه ليس ذاتياً محضاً وثابتاً بل متغير لأنه ينبع من ذات واحدة ” (285).
فالذات الساردة في قصيدة “كمال عبد الحميد” متأملة , متحركة , محتكة , تخلق الأحداث وتشارك في نموها , وتركن للوصف لترصد ملامح العالم وهي مشدودة إلى عناصر تكوينه , وترغب في اللحظة ذاتها الانفصال عنه لتتخلق من جديد , وتغير مواقع الاحتكاك والجدل , تستدعي التاريخ وتفك مكوناته , تقف مع كل معطى من معطيات اكتمال المشهد , تواجه نفسها بهذا التاريخ، تتكسر أمام الذاكرة , وتستعيد نفسها , ترفض زمن السواد الذي انتاب مكونات تاريخها السري : ( الحفار الذي يتقيأ دماً أسود ).
يحاكم ” كمال عبد الحميد ” زمن البراءة / الأصدقاء الذين كونتهم الذاكرة في كتابها السري .
من هنا تتحرك إيقاعات الوصف وتتوتر إيقاعات الأحداث , وتتغير صورة الصوت الذي يشكل إيقاع الحالة وهي تلتقط علاقات متعددة , فالتوتر والجدل وإيقاع التذكر – بما يحمله من أسى – لا يشكل وجها أو صورة مستقرة أو متناسقة أو منضبطة , فلا بد أن تتغير صور الإيقاع تبعاً لتغير حركة الذات من خلال رصدنا لمكونات الإيقاع عبر النوى الثلاث ( فا / 5) , ( علن//5) , (علتن ///5 ) , ونرى كيف تسير حركة التكوين الإيقاعي عبر تحولات هذه النوى , وما سينتج عن تكرارها من تشكيلات إيقاعية .
وإذا كان كمال أبو ديب في دراسته ” البنية الإيقاعية للشعر العربي ” قد اعتمد على الوحدتين الإيقاعيتين فاعلن / فعولن /5//5 – //5/5 , ورأى أنهما يمكن أن يتحولا إلى نواتين إيقاعيتين اعمق جذريا هما ( علن / فا ) . وأن تشكل الوحدتين يعتمد علاقة ( فا / 5) بـ ( علن //5 ) من حيث التتابع الأفقي ( فعولن //5/5 ) هي إذن ( علن + فا ) بينما ( فاعلن ) هي ( فا + علن ) .
ورأى أبو ديب أن ( علتن ) يمكن تقسيمها إلى ( فا – علن ) ( / – //5 ) ولكنه تقسيم قسري , إرادة للتسهيل والتوضيح . ولكن هذا الإعتقاد يظل قسرياً على الرغم من الهدف منه ولكن الأجدي تقسيم البحور وتحليلها عن طريق ثلاث نوى إيقاعية هي (فا / 5) , ( علن//5) , (علتن///5) . وهذا التقسيم هو الذي تعتمد عليه الدراسة في تحليلها لقصيدة (الأصدقاء).
وإذا كان الشعر العربي قد اعتمد في تشكيلاته الإيقاعية الموزونة على التكرار التام للواحدة . فإنه لم يتجاوز الشكل التام لها وهو تكرار الوحدة أربع مرات كالتالي :
فاعلن فاعلن فاعلن فاعلن
وقد رأى أبو ديب أن هذا التكرار للوحدة الإيقاعية ( فاعلن ) يمكن أن تصبح كالتالي :
علن فا علن فا علن فا علن فا .
ومن أجل خلق تشكيلات جديدة يمكن أن تصبح كالتالي :
علن فا علن فا علن فا علن فا .
أو
علن فا علن فا فا فا علن فا فا فا..
وهكذا .
ما فعله كمال أبو ديب ” هو تأسيس نظام آخر . إنه يكشف عن الطاقة الموسيقية في اللغة ويدل على مفاتيح تفجيرها ” (286).
وإذا كانت تشكلات أبو ديب الإيقاعية بالاصول / البحور وتكرارها في اطار نسقي متغير الفروع لكن الأصل : إيقاع الوحدة المكررة تنتج تشكيلات متوازية , فإن دراستنا تكشف التغيرات الإيقاعية وتحولاتها وتشكلاتها غير المنتظمة أو المتكررة في نسق ثابت , حتى وإن حدث تكرار للنوى الثلاث غير أن تكرارها لا يعد نمطا أو قانونا أو نموذجا , إنه تكرار الفوضى أو تكرار على غير قاعدة .
كما تدخل وحدات أو تشكيلات إيقاعية مختلفة عن النوى في حجم بنائها . وهذا ما يدل على زخم الإيقاع المتنوع في قصيدة النثر والشعر في الوقت نفسه إلى أهم مميزاتها : عدم القوننة أو النمذجة .
تتحرك قصيدة الأصدقاء حركة غير منتظمة , تتحول من تشكيل إيقاعي إلى آخر , وربما تتكرر نواة ما بين النوى الثلاث , فتحدث انتظاما في زمن إيقاعي محدد , وأحيانا تنتشر تشكيلات إيقاعية خارج نطاق النوى مما يؤكد كما هي لحظة الوجود الخارجي في علاقة جدلية بين الذات والعالم وايقاع الكتابة , الذي يعد تطهيراً , تتوق إليه الروح , وتترجمه الحالة الشعورية .
ترصد الدراسة مكونات الإيقاع في القصيدة عبر تردد متحركاتها وسواكنها التي تشكل مقاطع صوتية تشير إلى حركة الشعور , وتقوم الدراسة بكتابة كل سطر من القصيدة مصحوباً بالتقطيع لمكونات الإيقاع , كما تشيرالدراسة إلى إحصاء الحروف المجهورة والمهموسة في السطر، حتى يعاين القارئ حركة الإيقاع . وترمز إلى الحرف المجهور بـ(هـ) والمهموس بـ (م) .
كنت أقف على مقابرهم
/5 / /// //5 //5 ///5 12هـ – 4م
فاَ فَ علَتُ علن علن علتن .
هذا النمط البنائي القائم على بنية الحكي وهي بنية سردية ، تمنح الشاعر هدوءاً في التأمل، فيقدم مزيداً من التفاصيل والجزيئات في تصوير الحالة الشعورية التي هيمنت عليه , ترددت ( فا /5) مرة واحدة في السطر وسيطرت نوى علن //5 وعلتن ///5 ، وترددت بنية إيقاعية خارج نطاق النوى الثلاث- المعارف عليها- تتكون من ست حركات ( //////5)وهي وحدة موسيقية ممتدة لم ترد في القصيدة كلها إلا مرة واحدة تستغرق زمنا إيقاعياً طويلاً يفرض زمن الوقوف وحركته الممتدة في الوقت نفسه :زمن الحسرة والفجيعة الذي يشير إلى عمق اللحظة والشعور بطولها ، ليكون الإيقاع بطيئاً يتماثل مع زمن التأمل والوقوف على مقابر الأصدقاء الذين تحول زمن وجودهم إلى زمن فقد فجأة دون سابق إنذار، وكأن الشاعر وقع على الفجيعة وهو يمارس إيقاع الحزن والصدمة واستعادة التوازن , كأنه يقع تحت تأثير الضغط النفسي والشعوري اللذين يصلان إلى الاختناق فيضغط على الإيقاع عبر مقاطعه الصوتية الطويلة التي تتجاوز الحركة والسكون ! أكثر من حركة وتردد حروف الجهر بصورة مهيمنة حيث ورد الجهر ثنتي عشرة مرة في مقابل حروف الهمس أربع مرات .
وهذه النسبة تشير إلى الملمح النفسي المصاحب لإيقاع الحكي وحال الشاعر العاطفية من خلال حروف الجهر , فحرف الجهر هو حرف اشبع الاعتماد في موضعه ومنع النفس أن يجري معه،حيث يحدث انسداد مجرى الصوت كلياً , يمنع النفس أن يجري معه نتيجة المغلق المحكم يعقبه انفجار أو انسداد جزئي يسمح للهواء بالمرور مع وجود خفيف يعقبه احتكاك .
كما يحتاج الجهر إلى بطء في الأداء . وكلما ازداد نسق الجهر في النص خفت الأداء وضعف , وهي حروف تحتاج إلى سرعة وشدة أثناء الأداء , على عكس الهمس في البناء النصي ،حيث يؤدي إلى قوة الأداء، لأن حروف الهمس أقل وضوحاً في السمع .
أسأل كيف ماتوا مرة واحدة ؟
/5 | /5 | /5 | //0 | /5 | /5 | //5 | /5 | ///5 | 13هـ – 7م |
فا | فا | فا | علن | فا | فا | علن | فا | علتن . |
تتغير سرعة الإيقاع في هذا السطر حيث استحوذت النواة (فا) على بنيته الصوتية، فترددت ست مرات، وكأن لهاثا ينتاب أنفاس الشاعر وهو يتساءل عن كيفية الفناء ، في الوقت الذي يحمل فيه السؤال استنكاراً , ودهشة : دهشة الفاجعة والألم ، أراد أن يخطف قناعته بحتمية الموت النفسي , فالأصدقاء مروا على وعيه وشعوره كالطيف وسقطوا في لحظة واحدة، تلك اللحظة التي تتلاحق كما يتلاحق إيقاع النواة القصيرة .
وكان الحفار قد جاوز المائة عام بعامين
//5 | /5 | /5 | /5 | //5 | /5 | /5 | /5 | /////5 | /55 24هـ – 4م |
علن | فا | فا | فا | علن | فا | فا | فا |
ولأن الشاعر يرصد مشهداً للفناء المباغت عن طريق السرد وهو الرادي العليم ، تضغط عليه مكونات الإيقاع المتوالي القصير فتردد (فا) واستوذت على بنية السطر حيث ترددت ست مرات، وتضافرت حروف الجهر التي بلغت أكبر نسبة تردد في هذا السطرفوردت أربعا وعشرين مرة في مقابل الهمس أربع مرات، مما يشير إلى التوتر الحاد في استدعاء زمن التذكر / زمن الوصف وكأن تزايد حروف الجهر قد أحدث استرخاء وامتداداً صوتيا متماهياً مع الامتداد الزمني الذي تشير إليه هيئة (الحفار) العتيق الذي جازو المائة بعامين , وقد تأكد الهدوء والبطء الإيقاعي الماثل للبطء الزمني: عمر الحفار من خلال تردد تشكيل إيقاعي خارج النوى تجسد في خمسة متحركات وبعدها يأتي ساكن وكأن مهمة الحفار امتدت مع حركة مكونات المقطع الصوتية : متحرك وساكن , لتهدأ بعد انجاز مهمته مع التقاء ساكنين في نهاية السطر , وكأن الإيقاع عبر متحركاته وسواكنه في تشكيلات نهاية السطر تشير إلى المدى الزمني الذي يشكل حياة الحفار ويرسم عمره المديد .
هكذا رأيته وهو يتقيا دما أسود
/5 | //5 | //5 | //5 | /5 | ////5 | //5 | //5 | /5 | /5 | 17هـ – 7م |
فا | علن | علن | علن | فا | علن | علن | فا | فا |
يصف الراوي العليم / الشاعر حركة الحفار التي تميل إلى الهدوء والاسترخاء، فيأتي الإيقاع مصاحبا لحركة المشهد بطيئاً ممتداً ، لذا كان تردد (علن //5 ) أكثر استحواذا على إيقاع السطر من (فا) التي تراجعت عن حركتها في السطر السابق كما وردت تشكيلة إيقاعية من أربع متحركات , تقلل من سرعة الحركة ، وكأن الحفار يلفظ أنفاسه ببطء أو يواجه هذا الواقع المتردي المعتم بحزنه العميق وانهياره المجاني الذي جعله يؤثر الصمت :
ولا يجيبني .
//5 | //5 | //5 | 9هـ |
علن | علن | علن |
تكرار النوى ( علن //5) ثلاث مرات في السطر متواترة و استحوذ الجهر على البنية فازداد التوتر واحتد الإيقاع الذي يكشف عن صمت الحفار الذي استوعب مدة زمنية طويلة وكأن الشاعر قد حاول مراراً أن يعرف منه شيئاً وانتظر الرد طويلاً , فالإيقاع يرسم حالة الجدل بين الحفار والشاعر ، فيسود الانفجار أمام الصمت :الشاعر يصرخ والحفار يؤثر الصمت والبياض.
- كنت خائفاً بعد أن عرفتهم واحداً واحد
/5 | //5 | //5 | /5 | //5 | //5 | //5 | /5 | //5 | /5 | //5 | 20هـ – 9م |
فا | علن | علن | فا | علن | علن | علن | فا | علن | فا | علن |
ومطمئنا لني لست بينهم .
//5 | //5 | /5 | //5 | //5 | /5 | //5 | / //5 | 17هـ – 3م |
علن | علن | فا | علن | علن | فا | علن | (ف+علن) |
- وبعد أن تحسست عظامهم
//5 | //5 | /5 | //5 | ///5 | //5 | 11هـ – 6م |
علن | علن | علن | فا | (ف+علن) | علن |
- بكيت
//5 | /5 |
علن | فا |
تستحوذ ( علن //5) على بنية المقطع فترددت عشر مرات في مقابل (فا/5) أربع مرات فتضفى استرخاء وهدوءاً تاما على إيقاع المقطع بالإضافة إلى تشكيلتين لـ ( فاصلة صغري ///5 ) لتزداد نسبة حضور المتحركات في مساحات إيقاعية متقاربة، فكأن الشاعر قطع مساحة زمنية تماهت معها مساحة إيقاعية مماثلة , تمنحه اليقين والإدراك لواقع متحول مفجوع فيه أو سقوط زمن البراءة / الصداقة .
سيطر السرد على بنية الحالة وبنية النص فكان الاسترخاء والهدوء الإيقاعي المتجسد في انتشار مقاطع صوتية ممتدة عبر متحركين وساكن (// ه) وانتشر التوتر وازدادت حدته وإيقاعه الداخلي على الحالة الشعورية ، فالاكتشاف كان يمر عبر زمن ممتد على مستوى البنية اللغوية والإيقاعية معا ممتزجا بالتوتر والخوف والحزن الذي افضى إلى الحسرة واليقين المراوغ، لحظتها يتساوى الفقد : فقد الأصدقاء والحضور ، فالذات ـ رغم حزنها القاسي ومعاناتها ـ تطمئن لقرار الفقد والخروج والانحياز للوحدة ، تجتر حنينها ـ الذي يمثل الروح بالنسبة لها كما يشير كمال عبد الحميد في لقاء آخر بقوله عن صداقته للحنين ” صدقني ستموت إذا لم اقابلك يوميا”.
ويتعادل الجهر والهمس مع قرار الذات إيقاعيا حيث يتردد كل منها مرتين على الرغم من الضغط والجهد العضلي في إخراج الصوت في المقطع الاول (// ه) من الفعل “بكيت” ، وكأن الكلمة إيقاعيا تحولت إلى (بكيـ) التي تشير صوتيا إلى الألم والحسرة وحرقه البكاء والأنين ، وتأتي (فا /ه ) لتكون صوت الانفجار لهذا الاحتجاج الخاص على علاقة يغمرها الموات.
ـ لم تكن احقادهم معهم.
/0//0/0/0//0///0 11هاء—6م
فا علن علتن فا فا علن
ـ كانوا طيبين إلى حد الأسى.
/0/0/0//0///0 /0/0//0 17——3
فا فا فا علن علتن فا فا علن
ـ لكنني بكيت عرارة أكثر.
/0/0//0//0(////0) //0/0/0 13—–6
فا فا علن علن علن فا فا
ـ وارتعشت أمام عظام أعرفها.
/ه //ه ///ه // ه / ه / ه ///ه
فا علن علتن علن فا فا علتن
تعيش الذات علاقتين متداخلتين: علاقة الذات بالآخر / الاصدقاء الذي ماتوا مرة واحدة وعلاقة الذات بنفسها ، فقى علاقتها بالآخر كشفت ملامحه الداخلية، فهيمنت بنية السرد واستحوذ الهدوء والاسترخاء على الإيقاع في الوقف الذي تفاقمت فيه جدلية الذات والآخر تفاقمت جدلية البنية الايقاعية ،وأنحاز الإيقاع إلى مقاطع / نوى متكافئة، فيسير الايقاع من السرعة إلى البطء، حيث يبدأ السطر الأول في المقطع بـ (فا /5) وتتحول إلى (علن//5) وتعود(فا/5) لتتوالى مرتين متتابعتين، وكأن الشاعر يمر سريعا على تلك الصفة التي كانت سببا لسقوطهم ( أحقادهم) ،ثم ينتهي السطر بإيقاع الاسترخاء ( /// ه) ،وتأتي الميم لتسهم بدورها الإيقاعي في إشاعة جو الانحباس.
ويتحول الماضي بصيغة المضارع المنفي ( لم تكن ) إلى صيغة سردية تحتوى الماضي زمنا وصيغة ( كان) ممتزجة بموضوعها ( وا ) يسهم هذا التحول الصيغي لبنية سردية إلى تحول إيقاعي أكثر هدوءا في حركة الوصف لهيئة الآخر /”الأصدقاء” ولكنها هيئة داخلية تصل إلى حد التناقض فهم طيبون-مدى إيجابي- إلى حد الأسى/ مدى سلبي.
ولأن الشاعر يرصد صفة متغيرة لم يرغب تأملها جاء الإيقاع سريعا، فانتشرت النوى (فا /ه) خمس مرات في مقابل ( علن //ه) مرتين وعلتن مرة واحدة ، فيتحرك الإيقاع مدا وجزرا ، كما تتحرك حالة الشاعر النفسية بين النفي والأثبات ، بين القبول والرفض , بين اليقين والشك , بين الهدوء والاصطخاب.
وتفارق الذات حالة الوصف الخارجي ورصد جزئياته إلى الوصف الداخلي،فتجترأحزانها، وتلوك مرارة الفقد: فقد البراءة والاطمئنان والتواصل مع الآخر، ويتحول الإيقاع من السرعة التي تنتاب الاستدراك عندما يتحد بالذات:الذات الناطقة/ذات الشاعر (لكن-ني)في (لكنني) يدخل الإيقاع خطوة الاسترخاء الذي تخلقه النواه (علن//ه) وتتكرر مرتين ، فينتظم الهدوء والتوتر في آن، وتمارس الذات شهوة التعويض بالبكاء المر:(لكنني بكيت بغزارة أكثر) فتقل الحركة ويرتفع الإيقاع ، ويتمدد المدى الزمني عبر تشكيلة إيقاعية تتجاوز تكوين النواى الثلاثة، فتنتشر المتحركات: أربع حركات ( ////) وكأننا نسمع صوت البكاء المتواصل الذي يحتمل وقتا أطول يتماثل مع حرارة أكثر ، فالاتكاء على مقطع صوتي ممتد ، يحقق استرخاء وهدوءا، ويدخل في جدل مع الدلالة فكأن الايقاع يرسم صورة الذات في هيئة بكائها وزمنه، وتزدادالسرعة ويرتفع الإيقاع مرة أخرى في نهاية السطر عندما يتحول الإيقاع من النواة ( //ه) إلى (فا /5) التي تترددت مرتين.
ويستمر البطءالإيقاعي الذي تفرضه البنية السردية عبر تقنية الوصف والحكى ، فلم يزل الراوي العليم ممتزجا بأحداثة متوترا في رؤيته للعالم، منكسرا في مشاعره ، يكتب لحظة الاكتشاف ، ويعلن عن معرفة يتأمل كل ابعاها:( وارتعشت أمام عظام أعرفها) فيعود الإيقاع إلى الاسترخاء والهدوء والبطء , ويتوازى تردد النوى الثلاثة حيث ترددت ( فا /ه) ثلاث مرات و(علن//ه) مرة واحدة ، (علتن///ه)ثلاث مرات.
وفي المقطع الثاني من القصيدة تعلن الذات عن وجود مستقر، ترقب المشهد الجنائزي بكل أبعاده ، فياتي الإيقاع منتظما هادئا في حركته منفجرا في صوته عبر حروف الجهر التي هيمنت على بنائه.
ـ أنا هنا إذا.
//ه //ه //ه 8————10
تتردد (علن //ه) في كل بنية السطر،ثم يتحول هذا الاستقرار النغمى الإيقاعي إلى إيقاع متحول، متحرك، متوتر، وهو يرصد المشهد الأخير، يقدم كثيرا من التفاصيل التي سبق أن رصدها، ليؤكد يقينه بالانهيار ورغبته في الخروج وهو مسكون بالخوف والذعر.
ـ ولذا كان الحفار يبكى. 13——————–5
///5 /5/5/5/5 //5/5
علتن فا فا فا فا علن فا
ـ وكان الدم الذي يتقيأه أسود 18—————-4
//ه /ه //ه //ه ///ه ///ه /ه //ه
علن فا علن علن علتن علتن فا علن
ـ والمقابر التي بحجم شقة متوسطة 19————–8.
/ه //ه //ه //ه //ه //ه //ه //ه ///ه
فا علن علن علن علن علن علن علتن
ـ قطعتها جريا في ثلاث ساعات. 14—————-7
//ه //ه /ه /ه /ه //ه //ه /ه /ه
علن علن فا فافاعلن علن فا فا
ـ ثلاث ساعات وأنا التفت خلفي هاربا.17————-10
//ه //ه /ه /ه ///ه /ه //ه /ه ///ه //ه
عندما ترصد الذات جزئيات المشهد المتحرك يرتفع صوت الإيقاع ويجنح نحو السرعة والتلاصق, ويتنقل من الاسترخاء حيث ابتداء السطر بـ النواة ( علتن ///ه) في وصفة لعالم الحفار:( ولذا كان الحفار يبكى) ثم تسود ( فا) (/ه) حيث ترددت خمس مرات لتحمل معها توترا إيقاعيا يتصاعد معه الجهر الذي بلغ تردده ثلاث عشرة مرة في مقابل الهمس خمس مرات.
يعود الاسترخاء إلى الايقاع عبر انتشار النواة(علن) (//ه) حيث ترددت أربع مرات ،ويزداد الاسترخاء مع النواة المسترخية او الممتدة(علتن///ه) في الوقت الذي يسود فيه الجهر في ثمانية عشر موضعا في مقابل الهمس في أربعة مواضع في قوله: ( وكان الدم الذي يتقأه اسود). ولأن الراوي العليم يرصد جزيئات حدث استقر زمنه وتلاقت حركته يسود البطء والهدوء والاسترخاء في مكونات العلاقة التي خلقها الحفار, فيظل توالي النواه( //ه) ( علن) و(علتن///ه) ليصف الراوي مسرح الحدث وزمن الفجيعة في علاقته بذاته التي حاولت التعرف على جغرافية الرؤية العدمية فتحولت بالتالي إلى مرحلة من التوتر الذي يصاحبه تحول في الإيقاع،( والمقابر التي بحجم شقه متوسطة) فيتسم الإيقاع بمناخ السطرالسابق، حيث انتشار النواه (علن//ه) و(علتن///ه) ، فالاولى انتشرت في هذا السطر ست مرات ، والثانية/// ه مرتين متواليتين في نهاية السطر وكأن الاسترخاء بلغ مداه في حركة الإيقاع.
وتمارس الذات الساردة حركة متزنة مع إيقاع المكان الذي ترصد أبعاده وحدوده وترصد في الوقف نفسه حركتها الجدلية معه، فزمن الإيقاع المكاني يتوازى مع إيقاع حركة الذات، الحدود المكانية والإيقاعية التي تتجسد زمنيا في ثلاث ساعات تملك الذات قوة حركية وإيقاعية مماثلة لها مختلفة في الكينونة والهيئة حيث يهيمن عليها الخوف والتوتر والانكسار ثلاث ساعات:
18ـ قطعتها جريا في ثلاث ساعات: 14————-7
//ه // ه /ه /ه / ه //ه //ه /ه /ه
علن علن فا فا فا علن علن فا فا
الإيقاع يماثل الحركة التي تمارسها الذات على المكان فكأنه يقيس سرعتها وهي تجري مدعورة في مقابل الأصدقاء، فتنتشر النواة ( فا /5) خمس مرات لتشير إلى التلاحق، وكأن أنفاس السارد تلهث رغبة في النجاة والانفلات، فيرتفع الصوت الانفجاري حيث يسود الحرف المجهور من خلال تردده سبع عشرة مرة في مقابل المهموس عشر مرات.
وعندما يعود الراوي العليم إلى التذكر لعلاقة زمن الواقع مع زمن الحركة التي تمارسها الذات يختلف زمن الإيقاع على الرغم من التوتر والقلق الحاد الذي يهيمن عليها:.
19ـ ثلاث ساعات وانا التفت خلفى هاربا. 17——10
//ه //ه /ه /ه //// ه //ه /ه///ه //ه
علن علن فا فا ف علتن علن فا علتن علن
يميل الإيقاع إلى الهدوء والاسترخاء على الرغم من تكرار 🙁 ثلاث ساعات) ( زمن الواقع) في السطرين لكن اختلاف التذكر عن ممارسة الواقع أحدث اختلافا في الإيقاع، فإذا كان السطر الثامن عشر قد ابتداء بحركة الذات وانتهى بزمن الواقع، فإن السطر التاسع عشر قد بدأ بزمن الواقع (ثلاث ساعات) بحركة الذات ولكنها حركة تذكر ، فاصبح (زمن الواقع) زمن تذكر أيضا تحكمهما حالة شعورية مختلفة ومن هنا إذا دققنا الملاحظة القرائية لحركة النوى الثلاث في السطرين، حيث كان الثامن عشر كما ذكرنا تسوده النوى(فا)، لأن حركة الذات هي المهمينة في جدلها مع زمن الواقع. أما التاسع عشر فتحكمه حالة شعورية مختلفة، حيث الخوف والذعر والتوتر الحاد والإحساس بالفجيعة التامة والانكسار في إطار زمن التذكر، فيعود الإيقاع إلى زمن أطول، مسترخ بطيئ، فتكررت النواة(علن//ه) أربع مرات ، ويتسع الاسترخاء فترد تشكيلة خارج النوى أطول زمنا وأكثر حركة تتكون من أربع حركات وساكن (////ه) والتي يمكن تقسميها إلى ( ف +علتن ) ( / + ///ه) وتتردد النواه ( علتن///ه) مره واحدة في مقابل ( فا /5) مرتين.
يدخل زمن اليقظة في جدل حاد وتوتر عميق مع الزمن الحلم أو زمن ماقبل السقوط/ زمن الكوابيس ، الغفوة، الغياب ـ وزمن مابعد السقوط : الادراك، الاكتشاف، الوجود، اليقظة ـ فجاء الإيقاع بطيئا، مسترخيا، ممتدا يشاكل حركة الذات في جدلها مع زمني الحضور والغياب : الحلم والواقع فسيطرت النواتين علن//ه ، علتن///5 .
20ـ ولأنني اتقلب كثيرا في كواليس. 20—————6
///ه //ه ///ه ///ه /ه /ه //ه /ه /ه
علتن علن علتن علتن فا فا علن فا فا)
تشاكل حركة الإيقاع المسترخية حركة الذات (أتقلب كثير) فكأن الإيقاع يرسم حالة الذات وهي تقطع الملل والفراغ والسأم في ظل الكوابيس والتوتر، فاعتمد تشكيل الإيقاع على انتشار النواه ( علتن ///ه) في بداية السطر وتحولها إلى (علن//ه)ثم عودتها إلى(علتن///5) ، ثم تدخل تشكيلة إيقاعية أكبر من النواتين:علن//ه ، علتن///ه ،تتكون من ( ////ه) أربع حركات وساكن، وبهذا يرسم الإيقاع المدى الزمن الذي تستغرقه الذات مع كوابيسها، في المدى الطويل، وكأن الإيقاع يشير إلى واقع المعاناة الممتد الطويل الذي تعانيه ذات الراوي العليم.
21ـ ايقظتني زوجتي على حافة السرير. 19—————-6
/ه //ه /ه /ه //ه //ه /ه //ه //ه //
فا علن فا فا علن علن فا علن علن عل
22ـ قبل حركة واحدة من السقوط.
/ه /////ه /ه ///ه //ه // ه ه
فا ف علتن فا علتن علن علن
تسيطر سرعة الحركة في بداية السطر الحادي والعشرين عبرفاعلية الآخر:( أيقطتني زوجتي) حيث تتردد النواة ( فا /5) ثلاث مرات في مساحة زمنية ضيقة، فكان تحول الشاعر من غفوته إلى اليقظة عبر فاعلية الزوجة قد استغرق زمنا قليلا كما يشير زمن الإيقاع المتمثل في الوحدات القصيرة المتوالية.
وفي السطر الأخير من القصيدة يخترل الإيقاع مرحلتين أوزمنين: زمن الحلم وزمن اليقظة ، زمن الكوابيس وزمن السقوط /الادراك /اليقظة،فيبدأ السطر بتشكلية إيقاعية لم ترد طوال القصيدة على نسق الامتداد والاسترخاء، فتقع بعد (فا) (/ه) خمس حركات تشير إلى ( حركة واحدة من السقوط) حركة الذات قبل إداركها ويقظتها ،وكأن حركة ماقبل السقوط طويلة جدا، تجملت فيها الذات وعانت صراع الكوابيس وانفقت زمنا في الملل والضياع والخديعة، أسهم الإيقاع في تصويرها فجاء على هيئتها بطيئا مسرخيا متوترا وسادت النواتين ( علتن ///ه) و (علن //ه) وتراجعت (فا /5) فلم ترد إلامرتين.
======================هنا=============
يختتم السطر والقصيدة بصورة إيقاعية تشير دلاليا إلى حركة الذات حيث كلمة (السقوط) التي تنتهى بحرف الطاء وهو حرف مجهور، شديد،
مستعل، واجتمع في نهاية الكلمة مد نتيجة التقاءالساكنين في الوقف وهذا يتناسب مع حالة السقوط ، ويوائم حالة الموت التي تعانيها الذات، و اجمعت في المكون الإيقاعي، فالموت ينتهى بـ(لاحركة) والكلمة والقصيدة كذلك ـ تنتهى بالتقاء سكانين = بلاحركة.
فالايقاع في هذه القصيدة إيقاع سردي- كما أشرنا في بداية الدراسة- يتسم بالهدوء والاسترخاء والامتداد , حيث ترددت نوى الامتداد الإيقاعي:علن//5 وعلتن///5 أكثر من فا/5 التي تشير إلى السرعة ، فالنواة (/ه فا) ترددت طوال القصيدة ثلاثا وسبعين مرة، و(علن//ه) سبعا وسبعين مرة و(علتن///ه) ست عشرة مرة ، وتشكيلات أخرى خارج النوى الثلاث تتكون من أربع أو خمس أو ست حركات وساكن، وهذه تشكيلات لم تحفل بها قصيدة التفعيلة، ولم ترد فيها إلا نادرا واعتبر ذلك عيبا موسيقيا، لأنه يخرج على قاعدة القياس/التفعيلة، كما أن البنية السردية التي اعتمد عليها الشاعر في بناء قصيدته استوجبت بناء إيقاعيا بطيئا فرضة الجهر الذي استحوذعلى البنية، حيث ترددت حروف الجهر (2276 ) مرة، في مقابل (116مرة)لحروف الهمس، مما يشيرإلى البطء ، وارتفاع الصوت.
هذا التشكيل الايقاع الذي قامت الدراسة بقراءته يؤكد عدم خيانة التجربه والبوح دفعة واحدة في إطار التجربة التي تسبق الايقاع، فيأتي الايقاع طيعا دالا، تابعا لحركة الحالة الشعورية والنفسية، ويصبح أداة جمالية طبيعية غير مفروضة قسرا، ولهذا كانت قصيدة النثر أكثر تعقيدا في إدراكاتها الجمالية وأدواتها الفنية، لأنها غير نموذجية وغير معدة سلفا، قصيدة غير موجودة من قبل، غير ساكنة، غير متوقعة ، لايصلح معها الإعداد والتخطيط.
أي قانون موسيقى منتظم ، محدد، قياسي، يحتوى هذا الأرخبيل وهذه الطواطمية البازخة وضجيج الجسد والروح ؟، الروح العارية من إرث القبيلة ، أي بحر منتظم يتكون من مقاطع صوتية ثابتة بحجم الانطلاق نحو نافورة النار؟، أي إيقاع متواتر يلم الطنين المباغت والصمت وانفجارات الروح الطامحة إلى الحياة؟ أية تفعيلة تحتمل البكاء المر والفرح الحزين والسقوط والانكسار؟أي(فا)أو(علن)أو(علتن)وهي منتظمة تموسق الفوضي، تحتوى حنين العاشقين المتوقدين وفساد السياسة؟ أي إيقاع غير إيقاع الفطرة والسذاجة والعفوية يكتب نصا كالأحلام الصبايا ودهشه الاطفال؟.