يده على بابٍ عالٍ، أصابعه تلتف على مقبضٍ قديم، تكسوه سنوات ست من الغبار. اليوم على المسافر أن يفتح باباً أغلقه على روحه طويلاً. اليوم تدفعه الضرورة أن يدير المقبض، ويدفع خشب الباب العتيق ليبصر بقلبه وعينيه كل الذي تركه بعيداً ومهملاً، وربما منسياً
اليوم لا يذهب المسافر إلى أرض غريبة، لا يذهب إلى وطن من تراب وماء وشجر، لكنه يذهب إلى روحه المتروكة عمداً، إلى طفولته التي عزلها الباب عن رحمته
ادفع باب الغياب أيها المسافر، ادفع السنوات الست إلى الوراء، وانظر جرائمك، انظر بهاء ما تركت وما نسيت وما جاهدت في أن تجعله ماضياً. انظر أيها المسافر، ها أنت تعود إلى من لا يهجرك ولو كنت فظاً، ها أنت تصافح الوجوه التي لا تنكرك ولو كنت غليظ القلب، وهل غير أمك امرأةٌ يتقطع قلبها عليك دون أن تطرف عينها بعتابٍ؟ هل غير أشقاء الدم لا يبيعونك وإن كثرتْ حولكَ ذئاب تطلبكَ ليل نهار؟
ادفع باب الغياب بقوةِ الحب، بقوةِ ضعف المذنب، بقوةِ حاجتكَ إلى منقذٍ، وحاجتكَ إلى ظهرٍ ومودةٍ. قُلْ للطيبة التي ترعى صوركَ على الجدران: «اغفري قسوة قلبي يا أماه.. اغفري سوء أدبي إذْ بنيتُ بين وجهكِ وعيني باباً للغياب، اغفري لطفلكِ الأربعيني ما جنته يداه
ادفع السنوات الست، افتح البابَ، والتمس عاطفة الأخوات الطيبات، اترك لهن كتفيك ليضعن لمسة الود العميقة، ليتذكرْن بكَ الأب الذي لا يعيده البكاء، كُنْ طيباً ولو نصف طيبته، كُنْ بعض رحمته، ومحبته، واجمع حولك ما تفرق بعده، انظر إلى البيت الكبير الذي يضج الآن بمن جاؤوا على صوتك، قُلْ هامساً وأنت تتأمل صورته على الجدار: كل خير في هذا البيت هو منكَ يا أبي.. وكل شر هو مني”
ادفع روحكَ إلى روحكَ، خُذْ قلبكَ إلى قلبكَ، واغتسل بالندم على عتبة البيت، امش حافياً ليعرفَ تراب الأرض بشرة قدميكَ، داعب الصغار كطفلٍ حين يتقاطرون على مدخل القلب ضاحكين: «وحشتنا يا خال»، كُن الذي لم تكنه في الغياب، قريباً كأشجار الموز، ظلالاً كنخلتي الحديقة، وسيرة الليل حول موقد الشاي
يقول المسافرُ
كأنّ الشجرة التي صافحتها
للتو
في مكانٍ آخر
يقول المسافرُ
أعرفُ أن رجلاً يشبهني
سيبني باباً جديداً للغياب
يعود إليه ..
ثم يفرُّ منه
تغريدة
تعبت من اسمكِ
أروي له الحكايات.. لينام
فيروي لي الحكايات
التي تذهبُ بالنوم
مقال تأويل – مجلة الصدى – 9 سبتمبر 2012
أرى أن فكرة الغياب تحوم في أفق هذا المكان … هل هو أحساس بالذنب على غيابك عن الوطن … هل هو حنين ﻷب رحل في غفلة غيابك أظنني قرأت شيء عن هذا في صفحتك على الفيس بوك … " ليالي الحنين "
نحن أسرى الغياب بشكل أو آخر، وأحيانا نحن صنيعته، ألم نحضر من غياب ونذهب إلى غياب