وحدها الشجرة لا تكترث بالغياب، تموت واقفة ولا تشكو مئات العصافير التي احتضنت أعشاشها، ثم حين نبت ريشها طارت عنها في غياب أبدي. وحدها الشجرة دليل كوني على قدرة الحياة مقابل قوة الغياب
(3)
لا تتجلى قوة الغياب في الأسى الذي تخلفه، أو في الحسرة التي تطارد دماءنا، وتشدنا إلى الموت ببطء. الغياب عن قصد فعل نفي للذات الغائبة، وحكم إلغاء للآخر. النفي يلقي بالذات الغائبة في طريق جديد، يبدو ممهداً وآمناً ولو إلى حين، فيما يذهب الآخر في إلغائه إلى اثبات وجوده بممارسة الحياة، وأيضاً إلى حين
الغائبان ميتان
فيما يمشي بهما
جسدان على الأرض
(4)
الغياب ليس انتصاراً لإرادة القوة، لكنه انتصار لإرادة التخلي، صورة سوداء تعكس تربص روح بروح، وأنانية تقدم غريزة البقاء على فضيلة الوفاء. لم يعد ممكناً اعتبار الغياب قوة منسوبة للغائب، لأنه حين قرر غيابه، هجر حقيقته، واستعار قوته من اطمئنان زائف
(5)
الغياب الذي لا يرافقه الندم، يكون عودة للحقيقة المهجورة، أشبه بشفاء من كذب وانفصام الذات، لأن الغائب الذي لا يندم على ما غاب عنه، لم يكن يوماً راغباً فيه، وحين أدار له ظهره، واجه حقيقته التي أخفاها حيناً. غائبون بلا ندم هم أولئك الذين ارتدوا عن لعبتهم مع الآخر
(6)
بدرجة أو أخرى، كل منا غائب عن شيء أو أحد ما، لسنا منزهين عن خطيئة الغياب، لكننا موزعون على درجاته حسب قوة فعلنا له، حسب توحشنا به وفيه. الغائب بلطفٍ لا يتساوى بالغائب بغلظة وجفاء، والغائب لضرورة لا مقارنه بينه والغائب لمؤامرة أو حيلة. كل غياب غير مبرر، لكن بعض الغياب فيه قولان
(7)
لا يعود الغائب أبداً ولو عاد، لا يكون هو ذاته قبل وبعد التخلي، ثمة رتق عظيم لا يستطيع إصلاحه، وقناعه الذي سقط في غيبته لم يعد يخفي ما سبق أن دبره، وما قد يكرره. العودة لا تمنح الغائب غفراناً ولو مشروطاً، لأن الحذر قرين الفزع الذي لا ثقة معه
لا تلتمس العذر لغائبٍ إلا في الموت. لا تصافح غائباً لم يصافح عينيك برسالة يوم كنتَ تجوب البحار خوفاً عليه. لا تبتسم في المصادفة إذا لم يصنعها لأجل ابتسامتك. اتركْ رحمتكَ لمرةٍ واحدةٍ، هل رأيتَ كم مرة تركَ دونكَ رحمته؟، اكتبْ: الحبُّ أول الغيابِ
هذه هي الحيلةُ
نام الشاعرُ مبكراُ
قال سأجدُ موجةَ
تأخذني إلى البحر
يظنُّ الطائر بعيداً
حين دفن طفولته
في الرمل
فلا يخطفها الغياب
هذه هي الحقيقةُ
ينامُ الشاعرُ
والطائرُ يجهزُّ له موجةً
تأخذه إلى الغياب
تغريدة
تأخرت كثيراً حبيبتي
مر وقت طويل
وأنا ألعب هنا وحدي
أجرب القفز والرهان والنميمة
وأحصد الخيبة
أطلب البيتزا بالهاتف
وأترك الفاكهة على الطاولة
كمنظر برجوازي
في كل مرة أشتري الفاكهة
أراقبها بأسناني حتى تتعفن
ثم أطعمها لأكياس القمامة
وأقول: فاكهتي لم تأت بعد
الغائبان ميتان
فيما يمشي بهما
جسدان على الأرض
>>>
صدقت والله
كلامك حزين أوي أنا اكتأبت على فكرة
أي ضجيج قلم أعلن تمرده أرى هنا …كلما قرأت فقرة من هذة المعزوفات أقول اﻵن وجدت أروعها سأعلق على هذة وأنتقل لما بعدها فأشعر اني تائهة بين مجموعة من المعزوفات الرائعة … أشكر الصصدفة التي أوصلتني ﻷحد مقالاتك وبالتالي الى هذا الركن الرائع … ليالي الحنين