في احتراق الدم والوقت

 

خُذْ ما تركتْ لكَ خلفها:
الريح المسجونة في الأدراج
رائحة الليل على حواف الوسائد
الصوت المعتق في كاميرا الفيديو
الحصان الطائر الذي يركض في سقف الغرفة
أثر فمها على كوب القهوة والشاي
خُذْ ما تركتْ لكَ خلفها:
صوت أصابعها على خشب الباب، حركة عينيها حين تشدها الغيرة إلى الغضب والعتب، شخبطاتها المحلقة بأجنحة لا تهبط بها إلا على ورق الدهشة، فرشاة أسنانها المرصوصة كجدار أبيض ابتكره البناؤون في زمن بعيد.

وقفةُ الملاكِ على رمل الأبيض المتوسط. ابتسامتها على أريكة تواجه الزجاج المسكون بالغبشِ والرطوبةِ. نعاسٌ طفولي في قطارٍ عائدٍ من الجنوب. وجهها المستدير أمام موقد النار في قريةٍ ودعتها بأغنية عن الفرح بالبشر الطيبين. وصاياها المباركة النوم قبل احتراق الدمِ والوقتِ. اليقظة أمام ثعابين تمشي على قدمين. هجرة التعب الذي لا جدوى منه. امتلاك ما يغني عن الحاجة والسؤال والطمأنينة في الصلاة، والدعاء والتطهر من غبار الطرقات التي قطعتها يأساً.. وعبثاً .

خُذْ ما تركتْ لكَ خلفها: الكتب التي أيقظتْ روحها على المعرفةِ والقلقِ،  “النص.. السلطة الحقيقة”، “إشكاليات القراءة وآليات التأويل..، “دوائر الخوف”، “الاتجاه العقلي”، “مفهوم النص”، “الأسطورة والتراث”، و”هذا الغد العجيب”، عنادها في الحقِ، في الحب، في الاكتفاء بما ملكت يداها،  في الفرح بالعابرين إلى الموتِ والشهادة، في اقتفاء أثر الإجابات المستحيلة، وتتبع أحوال الطيبين في القرى والخيام .

خُذْ ما تركتْ لك خلفها: طريقك إلى دمها الذي لا يشبه سوى دمها،  الحكمة من محبتها، والفرح من بهجة المساءات التي اكتستْ بالضوء والموسيقى، كرر إهداءك إليها، واجهرْ بالذي تظنكَ لم تجهر به، قُلْ “أحبكِ”، واحبس شياطينكَ التي تجركَ إلى البكاء والنقمة .

خُذْ ما تركتْ لكَ خلفها: اسمها وحدها

وادخلْ قبركَ الذي صنعته بيديكَ.

اترك تعليقاً

Your email address will not be published.

Default thumbnail
المقالة السابقة

أرز الملائكة

Default thumbnail
المقالة التالية

الذي في القرى.. ينتظر

اخر المقالات من سيرة الحنين والفوضى

THE VOICE OF ENIGMA

بالأمس قررت أن أكون وحيداً مع صوت “إنيجما”، قررت أن أكون مخلصاً لها لمرة واحدة، وفي