هناك،حيث ترعى الأم ثيابك القديمة
وترفعها،كأعلام ملونة في مدخل البيت
تذَّكرأنكَ تركتَ هنا
صوتَكَ ونظرتكَ التي تشبه العزاء
تذّكرأن المقاهي التي عرفناها سوياً،
ستعلقُ صورَتكَ كدليلٍ حي
على ما تأخذه المقاعد من أرواحنا
هكذا يصبح دمكَ مطلوباً
من الزبائن العابرين
ليتذوقوا طعم الأسى المر
وهم يتحدثون على المقاعد ذاتها
عن الدموع التي تغرق أقدامهم
الدموع التي بكيتها وحدكَ
وأنت تخرج من المدينة
بكلمتين صغيرتين
وتذكرة بلا عودةٍ
وحقائب مملوءة بالشوارع والبنايات
حينما تجلس في بيروت
وتستنفر جيوشك لاستعادة مجدكَ القديم
تذّكر كيف ينتهي بنا الأمر
كأرقام فردية في دفاتر الإحصاء
وكيف نعود إلى مقاهينا الأولى
فلا نجد سوى أسمائها الباهتة
وأكوابها التي تشبه المقابر الضيقة
هكذا•• نجر عربات الخيبة مبتسمين
لأن أبناءنا لا ينامون عادة
إلا حين يطمئنون أننا لن نموت،
كآباء تعساء
عندما تكون بعيداً
سأحدثكَ بالهاتف الخلوي كشبحٍ قديم
سأروي لكَ عن سيدة البيانو
عن الحب الذي يسحق القلب
وكيف نموت كأشجار طيبة
دون أن يعرف المشيعون
بكاءنا العظيم على ما حلمنا به
قبل أن نرفع راياتنا البيضاء
على قبورنا
اليوم يا صديقي
لم نعد نسمع عن أسمائنا
سوى ما يقوله الغرباء
عن المشاكسة الميتة على أفواهنا
وكيف انتهت حروبنا بلا نصر
كما كنا نتوقع
كأنما تلقينا إشارات غامضة بالصمت
والتواضع
اليوم نقفز من شرفة إلى أخرى
خائفين من الموت مبكراً
خائفين من الشيخوخة التي لا نستطيع ردها
بالعناد والشتائم
خائفين على أطفالنا من نسمة الهواء الباردة
من رطوبة الشارع
من الوظائف غير اللائقة بهم
بعد عشرين عاماً
عندما ستكون بعيداً
لن أتحدث عنك كضمير غائب
ربما لأنني أحبك بما يكفي
لأراك تبكي في السر
وأنت تسأل:
كيف نحرر أنسالنا من الفقر والكتابة؟