السماح عبد الله….
آهٍ.. أيها الداهية، يا ابن الحكمة والشوارع، كنت تذهب ونبقى، تحكي عن المدن ونسائها ونشقى، تروي عن التي لا تحب البرتقال، عن خديجة المتوجة بالفل والزعفران، تنزل اللغة على لسانك منذ ألف عام، فتكتب كمن يبني قلعة أو حصناً، لا حيلة لأحد في اقتناص متاهة دخلتها في بحور الخليل، تعرفها كما تعرف اسمك المعرف بالألف واللام، آهٍ.. أيها الداهية، يا صعلوك المقاهي، لم يكن ينقصك سوى السؤال عمن قاسموك الوقت..والمسرة.
ياسر الزيات…..
روحه لا تستقر، وقلبه بيتُ من لا بيت له، تدخله – هكذا- بكلمة، وتخرج منه – هكذا- بكلمة، لم يكن رمادياً ذلك الذي يقتله الحب كما تقتله الخديعة، كنتُ أحسده حين يصطاد قصائده وأقول: كيف أتت إليه الموسيقى طيعة؟ على أي بحرٍٍ يقف؟
وكان يختفي كالساحر، ربما غجري في الهوس بالأماكن، وحين يهدأ، حين يحط رحاله وتكاد تتبع أثر قدميه على الأرض، تطير به من لا تطير بك، تأخذه بنات أفكاره إلى أبعد مما توقعت، ويبقى زيت قنديله مشتعلاً بالنار.. والضوء.
عبد الناصر هلال…..خرج من بطن جبل بعيد، هو ابن الرمل والمدى المفتوح على مطر وسراب، أخذ سمرته من أول حفنة تراب، تلون بالطمي وروحه عاصفة، وخطاه هجرة إلى المدن، خطاه خطاياه إذا لم تكن تعويذته رائحة الأب والأم والأخ الشهيد، كان في زمن النداوة يكتب كطوفان عميق، بئره لا تجف فيما يداه تغرفان بلا هوادة، هو الساقي الظامئ، جرى خلف نداهة لغة من الرمل والحصى والطين وقال: اتبعوني، وحده مضى إلى قاعات الدرس، تلاميذه من غبار، وعيناه معلقتان بشارع المخبز القديم.
عبد الحكم العلامي…..لم يقل لي أحد شيئاً عن ملامحه، لكنني مازلت أظن أنه سرق وجهه من جدار فرعوني، وربما من وجوه أقدم بكثير، له عينان مليئتان بالطفولة، وقامته القصيرة كحائط بيت صغير أسـفل الجبل، هو ذاتـه الجبل الذي خـرج من بطنه صـديقه ( الهلالي) لكنهما صديقان نقيضان، ( العلامي) لم يغادر طفولته، لم تغادره طيبة القرى، يبكي مثل ميت وحيد حين يسترد الله ودائعه، حين يرحل أخوة الأحلام والسنوات المغطاة – الآن- بالتراب.
كم سنة وبيننا هذه المسافات؟
كم سنة وأنا أود أن أسأله ولا أستطيع: من أي جدار قديم أخذتَ وجهكَ الشاعري ؟
زمن الوجوه القديمة
اخر المقالات من لا يدخل الليل إلا وحيدا
لا أحتاج إلى كثير من الجهد لأكتب عن جرجس شكري، كما لا أحتاج إلى استدعاء التوتر
ثمة محبة تفيض في قلوبنا عادة تجاه ماضينا حتى لو كان كريهاً، نحن نتلهف إلى ما
كان طيباً وهادئاً، لكنني لم أحبه إلا حين كبُرت، وذهبت سذاجة الطفولة، لم يضر أحداً، ولم
ورطني رئيس التحرير يوماً في محبة هذا الرجل. لم أكن أعرفه عن قرب، كنت واحداً ممن
وجه أبيض مستدير، لحية صغيرة غريبة على أهل الجبال المغرمين باللحى الطويلة، طيب القلب كطفل أفلت