رقصـــــــــةُ التَّـــبَــــــاعُد

 

في الخارجِ

مُوسِيقَى أَوَّلِـيَّةٌ صاخِبَةٌ

نَغَمٌ بَـدْئِيٌّ يتوالى

مُنْدَفِعًا، كقُطْعَانِ ماموثٍ مُنْقرض،

مِنْ اَلتُّـرابِ، الشَّجرِ، الهواءِ،

مياهِ البحْرِ البعيدِ

 

مُوسِيقَى خَبَّـأتْـهَا الأرضُ

تحتَ جِلـدِهَا

لأجْلِ لحْظَةٍ كهذِهِ

 

فِي الدَّاخِلِ

أرقصُ  كثيرًا على غَيْـرِ العادةِ

وأنا أُطِلُّ على شوارِع حُـرَّة

بعد أَنْ رفَعَ كُـلُّ مِنَّا

حِـذَاءَهُ الأبـديّ عَنْ رئتَـيْهَا

***

أرقصُ عارياً

في كهف (تو ناين ون تو.. 2912)

غجريٌ يحتفي بكائناتِ الفراغِ

وهي تُجَـرِّبُ بشغفٍ

قفزةً مفاجئةً إلى المَسْرَحِ

ونحنُّ في كُهُوفِنَا المُرَقَّـمَة

نراقبُ الخطر السائب،

مَغْمُورِينَ بروَائِح الخَلِّ والصَّابُون،

مُجَفَفِينَ بالمَـلْحِ والتَّوابلِ

كَأَسْمَاكٍ مَوْسِمِيَّةٍ خَلْفَ النَّوافذ

***

أرقصُ مُنْتَشيًا بلا هوادةٍ

كُلَّمَا توقَّعتُ خَوفـكِ الوُجُـودِيّ

وأنتِ تغسلِينَ يَدَيْـكِ

مِنْ كُـلِّ شيءٍ

نعم . . أَعنِي كُلّ شيءٍ

لتَعبري، حسبَ نوَايَاكِ،

بلا خطيئةٍ

إلى ما بعد نهاية العَالَم

***

أفكرُ، ومعكِ، كعاشقٍ طيبٍ

قد يلتمسُ العُذْرَ للفَيْرُوسات

أليستْ لعنة

أن نكونَ غير مرئيين؟

ألاَّ نخطو خارج السرِّ؟

 

ألمْ نكنْ يوماً؟

***

هذه ليستْ نهاية عالَمٍ

كما تظنين

ليستْ وباءً متبوعاً بجحيمٍ

أو فِـرْدَوس

لن تصل الذروة انفجاراً معكوساً

يُعيد الكون إلى كثافتهِ الأولى

لكنها رقصة التَماثُـل

تعميمٌ للتَّبَـاعُد ذاته

الذي عشته مراراً

وأنتِ تُهَـرِّبينَ جثتي

بين مدينتين

***

هكذا..

يُطَوَّقـنا الموت المجانيّ

لا كعِقابٍ مُقدَّس

أو تجسيدٌ جماعيُّ “للكارما”

بل كنوعٍ من الحبِّ

شيءٌ من البديهيّاتِ المنسيّةِ

ربما الطبيعة

صرخة متناهٍ في الصِغَر

جُزَيْئاتٌ تُغَنّي في الهَباء:

كلُّ فـراغٍ هو بيتٌ

كلُّ صمتٍ تربُّصٌ

كلُّ طُمأنينةٍ حمّالة أوجُه

***

حسناً

هذا تهذيبٌ بيولوجيٌّ للموجودات

تحريكٌ للثابتِ نحو الهَاوِيَـةِ

تعطيلٌ مؤقتٌ لليدين

صعودٌ لشعوبية المجاز

كلُّ فعلٍ جسدي مشتركٍ،

ليس سوى اشتهاءٍ مُكَمَّمٍ،

بدائل جاهزة عبر التخيّـل:

المصافحةُ بالإيماءةِ

القبلةُ بالنظرةِ

والنجاةُ.. مسافة خوف

***

أفكرُ، ومعكِ، كعاشقيّنِ

لم يكونا تحت تهديدٍ كَوْنيّ

ليبتكرا التَّبَـاعُدَ الجسدي

هذه ليستْ نُسْخَةٌ مُسَرَّبةٌ

من نهايتنا

هذه بداياتُ لها ما بعدها

ظهورُ منسيّاتٍ

تَنَاظُرُ عالَمين متوازيَيْـن

-كما نحنُّ الآنَ-

في دورةٍ ترهيبيةٍ

للقانونِ الطبيعي

***

هكذا.. وببساطةٍ

ثَمَّةَ ما يُطْوى تحت أقدامنا

لكننا كناجِيـْنَ مُحتَملين

نشحذ أظفارنا لاستئنافِ الحياةِ

ولو بوحشيةٍ أقلّ

 

 

حتى أبريل 2020

اترك تعليقاً

Your email address will not be published.

المقالة السابقة

أكتفي باسْمِكِ على الأرضِ

المقالة التالية

تعرفين..

اخر المقالات من رقصة التباعد

تعرفين..

تعرفين أنتِ لستِ بريئة كما أظنُّ أنتِ مُحَرّضةٌ وكاشفةُ رمادٍ تمشينَ بمنجلٍ تغنينَ كلما قطفتِ رأساً