هل تذكر طفولته يوم كنت تجهز جلبابك الأنيق وتلف الرباط الزهري على رأسك وتضع قليلاً من عطر كثيف ثم تمضي في صباحاتك إلى ( البندر)، زائراً أصدقاءك وجالساً في المقهى الأثير، هل تذكر بكاءه لحظة يرف جلبابك ويفوح عطرك وأنت تغلق الباب ماضياً وتاركاً في قلبه الصغير أمنية الذهاب معك مؤجلة إلى حين، فيبقى مطارداً بحلم ركوب السيارات القديمة التي تزمجر في البدء كقطار مسكون بالعفاريت؟ هل تذكر ساعة عودتك محملاً بالفاكهة التي يحب فيقطع الطريق الترابي إليك فرحاً كأنما لم يكن باكياً في الصباح؟ هل تذكر لياليَ كان يكسر فيها عادات النوم مبكراً حاضراً مجالس الكبار في مقهى القرية معلقة عيناه بالشاشة الصغيرة وبالدراما التي تشبه حكايات الجدات: ” الدوامة ” ..و ” الساقية ” .. و” هارب من الأيام ” ؟
هل تذكر حين عدت إلى البيت في منتصف الليل فلم تجد صغيرك في فراشه فلم تسأل الأم كاتمة الأسرار، وقصدت المقهى لتجده ثالث اثنين مأخوذاً بـ ” سيدة القطار”، كاتماً أنفاسه وعاقداً يديه حول صدره، مائلاً قليلاً في اتجاه شاشة التلفاز الصغير، يكاد يدخلها ليدفع الأذى عن البطلة الباكية في منتصف الرواية• لم تقل شيئاً، لم تلق السلام على الساهرين معه، شددته من يده وهو يرتجف خوفاً وبرداً كطائر مبتل في الحقول لا يقوى على الفرار، وفي عتمة الطريق الترابي صفعته لأول وآخر مرة، ثم راضيته في الصباح برحـــلة إلى ( البندر) وحذاء جديد، مضى الزمن به وبك يا أباه الذي في القرى، غير أنه مازال يسأل: كيف رأيت وجهه في الظلام؟ كيف لم تخطئ صفعتك خده؟ وما الذي جرى بعدها لسيدة القطار؟
هل تذكر طفلك الذي كان يذهب وحيداً إلى المحطة النائية مجنوناً بترقب بائــع الجرائـــد المعطوبة عينه، فيتلقف الصبي الجــريدة ويضع في اللحظـة ذاتــها ( قرشين) في يد البائع المتدلي نصفه من نافذة ضيقة لقطار سريع لا يقف على القرى الصغيرة، خذ وهات في ثوان خاطفة فإذا أخطأ الصغير غايته يكاد ينزلق أسفل العجلات أو يتعلق بخشب النافذة ويبدأ الصراخ، هل تذكر يوم حذرك الناس من سقوطه تحت العجلات، لم تكن تغادر البيت إلا بعد أن ينقضي موعد القطار، فيحترق قلب الصغير باكياً على جريدة اليوم التي فاتته•هل تذكر يا أباه يوم شب الصغير ونبت الشعر في ذقنه وشاربه وجهز حقائبه للسفر البعيد، يوم شد على يديك مودعاً فلمعت في عينيك دموع لم يرها قبل أبداً، فتذكره بالرسائل والعودة كلما استطاع، مضى الزمن به وبك، وكثرت ذنوبه الصغيرة والكبيرة، وبقي يفتش في الصور العائلية عن ماء يروي عطشه إلى طفولة لا تعود.
وحيد هو في عيده، يرتب بعناية ذنوبه الصغيرة، ويعتذر
فمتى ترضى يا أباه الذي في القرى.. ينتظر؟
هل تذكر حين عدت إلى البيت في منتصف الليل فلم تجد صغيرك في فراشه فلم تسأل الأم كاتمة الأسرار، وقصدت المقهى لتجده ثالث اثنين مأخوذاً بـ ” سيدة القطار”، كاتماً أنفاسه وعاقداً يديه حول صدره، مائلاً قليلاً في اتجاه شاشة التلفاز الصغير، يكاد يدخلها ليدفع الأذى عن البطلة الباكية في منتصف الرواية• لم تقل شيئاً، لم تلق السلام على الساهرين معه، شددته من يده وهو يرتجف خوفاً وبرداً كطائر مبتل في الحقول لا يقوى على الفرار، وفي عتمة الطريق الترابي صفعته لأول وآخر مرة، ثم راضيته في الصباح برحـــلة إلى ( البندر) وحذاء جديد، مضى الزمن به وبك يا أباه الذي في القرى، غير أنه مازال يسأل: كيف رأيت وجهه في الظلام؟ كيف لم تخطئ صفعتك خده؟ وما الذي جرى بعدها لسيدة القطار؟
هل تذكر طفلك الذي كان يذهب وحيداً إلى المحطة النائية مجنوناً بترقب بائــع الجرائـــد المعطوبة عينه، فيتلقف الصبي الجــريدة ويضع في اللحظـة ذاتــها ( قرشين) في يد البائع المتدلي نصفه من نافذة ضيقة لقطار سريع لا يقف على القرى الصغيرة، خذ وهات في ثوان خاطفة فإذا أخطأ الصغير غايته يكاد ينزلق أسفل العجلات أو يتعلق بخشب النافذة ويبدأ الصراخ، هل تذكر يوم حذرك الناس من سقوطه تحت العجلات، لم تكن تغادر البيت إلا بعد أن ينقضي موعد القطار، فيحترق قلب الصغير باكياً على جريدة اليوم التي فاتته•هل تذكر يا أباه يوم شب الصغير ونبت الشعر في ذقنه وشاربه وجهز حقائبه للسفر البعيد، يوم شد على يديك مودعاً فلمعت في عينيك دموع لم يرها قبل أبداً، فتذكره بالرسائل والعودة كلما استطاع، مضى الزمن به وبك، وكثرت ذنوبه الصغيرة والكبيرة، وبقي يفتش في الصور العائلية عن ماء يروي عطشه إلى طفولة لا تعود.
وحيد هو في عيده، يرتب بعناية ذنوبه الصغيرة، ويعتذر
فمتى ترضى يا أباه الذي في القرى.. ينتظر؟