في لحظة ما تبدو الكتابة كمن يضع الملح على جر اح مفتوحة
في لحظة ما لا يجدي التأويل شيئاً، ولا تنفع البلاغة أمام حزن طاغٍ مقبل من الداخل.. وحين أتتبع الانكسار الذي يفتت الروح، وأرقب الزجاج المتكسر على طرقات القلب.. أنفلت من الذاكرة، أهرب من الصور القديمة المتداخلة كالسهام في الأجناب، وألوذ بالروايات، ألوذ بحيوات أخرى ليست بالضرورة أكثر راحة، لكنها بالضرورة أجمل، ومن بين هذه الحيوات تجيء رواية: المريض الإنجليزي.. لمؤلفها “مايكل أونداتجي” عبر ترجمة لا تقل إبداعاً عن قصائده، إذ أعطى سعدي يوسف النص ما يليق به من روح.. وشاعرية.
سأقتطع إذن من جسد الرواية هنا ما يوازي حالة يضج بها الوقت والقلب، سأقتطع ما يشبه تتبع امرأة في رواية.. تتبع حالاتها وأحوالها حين لا يجدي تتبع امرأة في الذاكرة.
(1)
( يقول: أمضيتُ أسابيع في الصحراء، ناسياً أن أنظر إلى القمر، كما يمكن أن يمضي رجل متزوج الأيام ولا ينظر أبداً إلى وجه زوجته، ليست هذه ذنوباً ناجمة عن اللامبالاة.. بل علائم انشغال )
(2)
( لا يتعب أبداً في الليل بما يكفي لينام، تقرأ له من أي كتاب تتمكن من العثور عليه في المكتبة التي تقع في الطابق الأرضي، يضطرب ضوء الشمعة فوق الصفحة وفوق وجه الممرضة المتحدّث، بالكاد يكشف في هذه الساعة الأشجار والمشهد الذي يزين الجدران، يصغي إليها وهي تبلع كلماتها كالماء)
(3)
( يستلقي الكتاب في حضنها، أدركت أنها كانت تحدق في مسام الورقة لأكثر من خمس دقائق، إلى الطية في زاوية الصفحة السابعة عشرة التي طواها أحدهم كعلامة، مررت يدها فوق الصفحة، أحست بشيء يركض في ذهنها مثل فأرة في السقف أو فراشة على النافذة الليلية )
(4)
( تقف فوق المغسلة، تمسكها، ناظرة إلى الحائط الجصي، أزاحت جميع المرايا وجمعتها في غرفة فارغة، تمسك المغسلة وتحرك رأسها من جانب إلى آخر، محررة حركة الظل، تبلل يديها وتمشط شعرها بالماء إلى أن يتبلل بشكل كامل، يبردها هذا وتحبه حين تخرج، ليهب عليها النسيم وينسيها مشاكلها)
(5)
( تسير عبر الصالة وتصعد إلى أرجوحتها ثم تؤرجحها وهي تغادر الأرض، إن لحظات ما قبل النوم هي اللحظات التي تشعر فيها بأنها أكثر حياة، تقفز عبر أجزاء اليوم، محضرة معها كل لحظة إلى السرير كطفل بكتبه المدرسية وأقلامه، يبدو أن اليوم لا يمتلك نظاماً إلا في تلك الأوقات التي هي مثل جسر بالنسبة لها، ويكون جسمها مليئاً بالقصص والمواقف)
(6)
(حين تكون منعزلة تجلس واعية لعصب كعبها المبلل من الأعشاب الطويلة للبستان، تقشر خوخة عثرت عليها وتحملها في جيبها القطني الأسود، حين تكون وحيدة تحاول أن تتخيل من يمكن أن يأتي على الطريق القديم تحت الغطاء الأخضر لأشجار السرو الثماني عشرة )
(7)
( تجمع أحياناً عدة شراشف وتستلقي تحتها، مستمتعة بوزنها أكثر من استمتاعها بالدفء، الذي تسببه، وحين ينزلق ضوء القمر على السقف، يوقظها فتستلقي في الأرجوحة وذهنها يتنقل، تجد أن الراحة الناجمة عن عدم النوم هي الحالة الأكثر إمتاعاً، لو كانت كاتبة ستجمع أقلامها ودفاترها وقطتها المفضّلة وتكتب في الفراش، لن يعبر الغرباء أو العشاق الباب المقفل )
(8)
( أطفأت الشمعة في غرفة الإنجليزي منذ ساعة، نزعت حذاءها وفكت أزرار ردائها عند العنق بسبب حرارة الصيف.. أيضاً فتحت أزرار الكمين ورفعتهما عالياً على ذراعيها.. فوضى عذبة)
(9)
( تخرج من تركيزها وتسأله: ماذا..؟
يدير وجهه الأسود ذا العينين الرماديتين نحوها، تضع يدها في جيبها، تقشر الخوخة بأسنانها، تزيل النواة وتمرر لُب الثمرة إلى داخل فمه، يهمس ثانية، جارّاً القلب المصغي للممرضة الشابة الموجودة قربه إلى حيث يذهب ذهنه، إلى بئر الذاكرة)
(10)
( إنها في الظلمة الآن
لا شيء إلا رائحة الدخان)
(3)
( يستلقي الكتاب في حضنها، أدركت أنها كانت تحدق في مسام الورقة لأكثر من خمس دقائق، إلى الطية في زاوية الصفحة السابعة عشرة التي طواها أحدهم كعلامة، مررت يدها فوق الصفحة، أحست بشيء يركض في ذهنها مثل فأرة في السقف أو فراشة على النافذة الليلية )
(4)
( تقف فوق المغسلة، تمسكها، ناظرة إلى الحائط الجصي، أزاحت جميع المرايا وجمعتها في غرفة فارغة، تمسك المغسلة وتحرك رأسها من جانب إلى آخر، محررة حركة الظل، تبلل يديها وتمشط شعرها بالماء إلى أن يتبلل بشكل كامل، يبردها هذا وتحبه حين تخرج، ليهب عليها النسيم وينسيها مشاكلها)
(5)
( تسير عبر الصالة وتصعد إلى أرجوحتها ثم تؤرجحها وهي تغادر الأرض، إن لحظات ما قبل النوم هي اللحظات التي تشعر فيها بأنها أكثر حياة، تقفز عبر أجزاء اليوم، محضرة معها كل لحظة إلى السرير كطفل بكتبه المدرسية وأقلامه، يبدو أن اليوم لا يمتلك نظاماً إلا في تلك الأوقات التي هي مثل جسر بالنسبة لها، ويكون جسمها مليئاً بالقصص والمواقف)
(6)
(حين تكون منعزلة تجلس واعية لعصب كعبها المبلل من الأعشاب الطويلة للبستان، تقشر خوخة عثرت عليها وتحملها في جيبها القطني الأسود، حين تكون وحيدة تحاول أن تتخيل من يمكن أن يأتي على الطريق القديم تحت الغطاء الأخضر لأشجار السرو الثماني عشرة )
(7)
( تجمع أحياناً عدة شراشف وتستلقي تحتها، مستمتعة بوزنها أكثر من استمتاعها بالدفء، الذي تسببه، وحين ينزلق ضوء القمر على السقف، يوقظها فتستلقي في الأرجوحة وذهنها يتنقل، تجد أن الراحة الناجمة عن عدم النوم هي الحالة الأكثر إمتاعاً، لو كانت كاتبة ستجمع أقلامها ودفاترها وقطتها المفضّلة وتكتب في الفراش، لن يعبر الغرباء أو العشاق الباب المقفل )
(8)
( أطفأت الشمعة في غرفة الإنجليزي منذ ساعة، نزعت حذاءها وفكت أزرار ردائها عند العنق بسبب حرارة الصيف.. أيضاً فتحت أزرار الكمين ورفعتهما عالياً على ذراعيها.. فوضى عذبة)
(9)
( تخرج من تركيزها وتسأله: ماذا..؟
يدير وجهه الأسود ذا العينين الرماديتين نحوها، تضع يدها في جيبها، تقشر الخوخة بأسنانها، تزيل النواة وتمرر لُب الثمرة إلى داخل فمه، يهمس ثانية، جارّاً القلب المصغي للممرضة الشابة الموجودة قربه إلى حيث يذهب ذهنه، إلى بئر الذاكرة)
(10)
( إنها في الظلمة الآن
لا شيء إلا رائحة الدخان)