انتظروني قليلاً، بضع سنوات سأمشيها حافياً إلى بيروت ودمشق، سأودع صديقاتي البريئات، وأهاتف أمي كاذباً: “سأهاجر زمناً يا أماه إلى الشام”، فتسألني عن البلاد التي لم تسمع بها نفطاً أو رزقاً يعمر البيت القروي، سأكذب حتى لا تموت بخوفها إذا أخبرتها بغايتي: ” سأضع وردتين على قبر رجل حزين.. و أعود “
انتظروني قليلاً ، سأعود إليكم بحكايات جديدة عن رجل حرق رئتيه في شتاء عربي طويل، سأحدثكم عن حزنه الأبدي في ضوء القمر، عن وصاياه، و الينابيع التي أغرقتني تحت نخلة البيت القديم، عن كتابي الأول المخبوء في حقيبة الدرس، وعن المطر، والطيور، والبلاد ” التي تسير كالريح إلى الوراء”
انتظروني قليلاً حتى أعود ، لأن الرجل الذي مات بسيجارته أوصى لي بالأسى والحزن ، منذ دسست كتابه أسفل السرير كيلا يشدني أبى من أذني، حين يسألني عن واجبي المدرسي،فأرتعش كطيوره المهاجرة، طيوره التي أقامت له قبراً على شجر بيروت ودمشق.
انتظروني قليلاً، حتى إذا أخذتني الدموع إلى جواره حارساً جسده من العتمة والثعابين، لا تتعقبوا بكائي هذه المرة، ولا تظنوا بي السوء،
و لا تبخلوا على روحه وروحي بفاتحتين
تعرفون اسمي..
وهذا اسمه كيلا لا يخطئه ثواب الفاتحة:
اسمه ” محمد الماغوط “.