بقلم: أشرف عبد الشافى
…
لا أعرف كمال عبد الحميد ولم تجمعنا أى لقاءات عابرة أو غير ذلك، لكننى سمعت عنه من زملاء وأصدقاء مشتركين عملوا معه فى مؤسسة الأهرام، فعرفت منهم أنه صحفى نابه، وإن سافر الإمارات منذ فترة طويلة جداً.
على أن كل ذلك شىء ، ومعرفته عبر هذا الكتاب الممتع شىء آخر تماماً.
فمن الصعب أن يتم اختصار كاتب ومبدع يمتلك تلك اللغة السردية التى تجمع الشعر والقصة فى تناغم مرعب فى تلك الكلمات التعريفية .
قرأت (لا يدخل الليل إلا وحيداً) ومن أول قصة رأيت كمال عبد الحميد كما لم يره أحد من كل هؤلاء الذين يعرفونه، رأيته وعرفته جيداً وكان الفضل فى ذلك يعود إلى اللغة التى يكتب بها، وإلى تلك الموهبة التى تنقل روح الكاتب بين السطور .
قرأت الكتاب فشعرت بالغيرة من أول قصة، فقد رأيته يدخل الأربعين ـ كما أدخلها تماماً ـ يرى ما رأيت ويشعر بما أشعر، وكان الفرق بيننا أنه كتب فى حين مازلت متكاسلاً، يحكى عن غربة الروح والنفس فيخاطب أمه الطيبة كما أخاطب أمى، لكن الفرق بيننا أنه كتب ومازالت متكاسلاً، فى القصة الأولى تباغته شعرة بيضاء أمام المرآة فيتوقف ويأخذ نفساً عميقاً، ويتحدث إلى تلك الشعرة الخبيثة اللئيمة التى احتلت روحه، ويكتب تلك العبارات الممتعة 🙁 آراك الآن يا شعرتي التعسة فأحصى خطواتى التى أنفقها فى اقتناص الطمأنينة، أحصى أصدقائى الذين خسرتهم حين تفرقت بنا السبل، البدايات الأولى للمتعة المراوغة، بهجة الأشياء الصغيرة، سذاجة الحب والمراهقه، والتعلق بالمستحيلات، تذكريننى أيتها الشعرة البيضاء بما تركت خلفى، هوة سحيقة بينى وبين الذى كنته قبل أربعين سنة، كأننى، وأنا أنظر إليك يا شعرة البياض المخيف، أنظر فى بئر عميقة فى قاعها طفولتى، فى أي عام نحن ؟ فى أي عام أنا؟ سرقنى الوقت، وتسربت من يدي أربعون عاما دون أن انتبه، ها هي الأربعون كاملة فوق كتفى، أربعون سنة أربعون جبلاً، أربعون جداراً أتحرك بها)
هل تكتفى تلك العبارات الرشيقة الشيقة فى وصف اللغة عند هذا الكاتب ؟ ليتنى كنت ناقداً فذاً كى أصف لكم ماذا فعلت بىّ تلك الكلمات، إنها نفس المفردات التى نعرفها ،ولكن كيف لهذا المسكون بالإبداع أن ينسجها فى تناغم على هذا النحو ؟!.
إنه سيدهشك أيضاً فى قصته الثانية (السيدة الطيبة ) والتى يحكى فيها عن أمه التى مازالت تعرف طعم الدهشة التى افتقدناها جميعا بعد أن أصبح كل شىء غير مدهش إن لم يكن مدمراً، ولنا ولكم فى (الموبايل) عبرة، انظر إلى تلك السيدة ودهشتها وأنظر إلى ما يريد كمال عبد الحميد أن يقوله فى كل عبارة وكل كلمة :
( تسأله حين يلمس صوته آخر عمق فى قلبها : كيف يسافر الصوت بين اثنين فى قارتين من بلاد الله الواسعة ؟ ويضئ وجهها بدهشة حين يخبرها أنه يحدثها من مقهى عبر هاتف أصغر من علبة سجائره ؟ ويتتبع بشغف نبراتها، ويرى بعين قلبه كيف تدارى على الجانب الآخر علامة استفهام أكبر من هواتف بلا أسلاك، فيحبها بعمق ويسأل الله أن يبقى لها طبيتها ودهشتها التامة.
لم تدرك السيدة الطيبة وهى ترتب ملابسه فى دولابه القديم ، وتدس زجاجة عطر وتعويذة شيخ ضرير بين قمصانه أن آخر صبرها خيبة فى الولد الذى زينت له الكتابة غير ما صنع أبناء الجيران، أقرانه المحاطون بالأبناء والنائمون تحت سقف قريب من روائح الام والأب، تساله ألا يبقى وحيدا،ً فيحدثها كاذباً عن أصدقاء طيبين ، فيما تصعد آهة مكتومة إلى صدره ).
ماذا أفعل فى كمال عبد الحميد؟ ماذا أفعل وكل كلمة تشعرني بحقد كاتب على كاتب آخر باغته وسرق منه الكلمات دون إدانة، هل أقاضيه وأقول امسكوه فقد قبض على روحي قبل أن أقبض عليها؟!
(لايدخل الليل إلا وحيداً) يجعلنى أصرخ فى هذا الكاتب كى ينفض يديه من مهنة الصحافة، ويعود للكتابة والإبداع، أصرخ فيه أن يعود إلى مصر كى يحتل مكانته التى تليق به بين صفوف الكتاب المهمين
http://ashrafmanzar.maktoobblog.com/