الذي لم ير شجراً طيباً


بقلم الشاعر: جهاد هديب

قلّ أن تكون هناك ( قصيدة نثر) عربية واحدة في كتاب، بل إن البعض يرون في قصيدة النثر ضرورة في الاختزال والتكثيف والالتقاط المباشر والمباغت للصورة الشعرية في الالماح والايماء
الشاعر المصري كمال عبدالحميد في كتابه ( تمام الجحيم ) الصادر عن دار النشر القاهرية (المكتب المصري للمطبوعات) نموذج مخالف لهذه الرؤية السائدة

ففي تمام الجحيم ( حكاية ) يشير إليها الكتاب بوصفه بنية مصنوعة من البدء لتقوم بدور في هذه الحكاية

فاتحة الجحيم
تباركت أسماء اطفالنا في الغيب

ومع التقدم في القراءة ومن الصفحات الأولى نجد أننا أمام قصة حب لشاعر قد انتحر ويأتي الإخبار (بكسر الهمزة) من العالم الآخر إن لم نقل العالم السفلي حيث النص لجهة بنيته الشعرية قد تأثر بالأسطورة الإغريقية على هذا النحو أو ذاك فضلاً عن الأثر الواضح للإنجيل سواء في لغة النص أو في ما يذكر بطرائق التخييل فيه


ويحدث ذلك كله في المجاز الشعري فالسارد في القصيدة في تمام جحيمه حي في الطابق الحادي عشر

اسمي كمال عبد الحميد
ولا لقب لي
لم أمت كما يموت الناس
لم أر شجرا طيبا يلوِّح
لم تكن صرخة في وداعي
أنا المقتول في الطابق الحادي عشر
أبكي خارج جثتي
أهذي في النار السابعة
الماء.. الثأر

تقوم التجربة الشعرية على البوح أو على خطاب موجه إلى امرأة.. خطاب مشحون بالمرارة إلى حد الغضب والوله إذ يمتزجان

من أوهمك اننا سنطرق
أبوابك بعنف
محملين بالهدايا لحراسك الخرافيين
هذه ميتتك وحدك
خذيها كاملة

ويترك ذلك أثره في ” التشكيل” الشعري إذ يستعير المرء توصيفاً من الرسم الزيتي ذلك أن المرء يشعر أحياناًأن الشاعر يرسم المشهد كله بريشة واحدة

الليلة
أحتاج قائمة باسماء قتلة خرافيين
لأفتح لكِ طاقة على روحي
أحتاج سحابة واحدة تمرّ بيننا
لأدلكِ على حرائقي

وتبدو الخامسة والثلاثون تلك السنة من العمر التي يذهب إليها الشاعر كما لو أنه مرغم فهي ليست العلامة الفارقة لانتصاف العمر بل هي أشبه بمكان:

خمسة وثلاثون عاما
أربي أكاذيبي في السر
هكذا أموت بين قارتين
أمسك بطرف السرير:
لا أحد
لا رائحة
لا بساتين أغرق ببطءٍ
في مائها
غير أن الخامسة والثلاثين مكان لا يخلو من وحشة ولا يصلح سوى للتذكر:
لأية ميتة تتعطر سراً؟
لأية غاية تذكر قاتليها بالاسم
تشير الى زمن لم يكن لها؟
لأية ليلة تقصُّ شعرها وتسأل:
من رآني.. يخبرني؟

 …….  جريدة الدستور الأردنية – 6 يونيو 2005  …….

اترك تعليقاً

Your email address will not be published.

Default thumbnail
المقالة السابقة

يصنع عالماً من الأسرار الصغيرة

Default thumbnail
المقالة التالية

أسئلة الارتبـاك الـطـفولـي والإنسـانـي

اخر المقالات من في خبر كانَ