أتعبتني يا صديقي
تعرف أود أحيانا أن أضحك عليك، أن أغدر بك، وأن أكون معك ولو مرة واحدة نذلاً، فأغريك بالذهاب إلى شاطئ بحر عميق ومجهول، وأن أحبذ لك فكرة عناق موجة زرقاء شاهقة تأخذك فلا تعود أبداً، وأرجع دونك محرراً من صداقتك القديمة.
تعرف أود أحيانا أن أضحك عليك، أن أغدر بك، وأن أكون معك ولو مرة واحدة نذلاً، فأغريك بالذهاب إلى شاطئ بحر عميق ومجهول، وأن أحبذ لك فكرة عناق موجة زرقاء شاهقة تأخذك فلا تعود أبداً، وأرجع دونك محرراً من صداقتك القديمة.
أتعبتني يا صديقي بالقلق الذي يأكلنا، بالفقد الذي يقتلنا، وبالأسئلة التي تجرنا معاً إلى أرق الليالي الثقيلة، أرهقتني وأنت تقودني كل لحظة إلى صورك في زمن القرى والمدن الصغيرة، لماذا تأخذني من ياقة قميصي فأتبعك إلى خطاك الأولى، وخطاياك الأولى، ومقاعد مدارسك الأولى، ورائحة الماء والتراب، وملمس العشب في الحقول، الليل فوق سطح البيت القديم، نباح الكلاب على أول الشارع حين يدخله الغرباء، يقظة الجد العجوز مع أذان الفجر، وصياح الديك الذي أفلت غير مرة من فم الثعلب.
أربعون عاماً وأنت تهذي..
وأنت تبحر في ماء عيني، فلا أرى إلا ما تريد أن ترى
آه أيها الطفل الذي يسبح في دمي، تود أن تمسك بالحنين فلا تتركه إلا وأنا ضعيف وهش كمريض لا ينجو، تشعل أصابعي في البحث عن ورقة بيضاء لأكتب عن أختنا التي رحلت في جمعة حزينة، أفشل فألوذ بكلمات (ويليس بارنستون):
أختي العزيزة
“دعينا نستأجر جيشاً من الموسيقيين لنحارب الليل، ونجد رساماًا مكسيكاً ماهراً يلون جدارية الأزرق من جديد، أنت طفلة وكلبك ينبح بين كاحليك، إنى أهاتفك وأترك لك الرسائل، وأسأل ليل الخفافيش والضباب الأزرق أن ينتهي على خير، وأن تستحم روحك القلقة بالضياء من جديد”.
أتعبتني يا صديقي..
دعني أدربك على الرحيل، دعني أصف لك الطريق إلى جبل بعيد لتسكن فيه واليه، سيطمئن كلانا، ستحرر قلبك أيها الصغير من جنوني، وسأفلت من أظفارك، سأضع في كهفك الذي تختار، ما شئت من الألعاب والدمى والكراسات الملونة والأقلام والطباشير، وأعطيك خريطة آمنة إلى البحر القريب، اذهب إليه لو شكوت الوحدة والصمت، عش هنا أو هناك، واخرج من دمي، أيها المتبوع بالفقد والحنين، لم أعد بيتك المريح، لا تخف لن تموت بدوني لكنني أموت معك كل مساء، هذه طفولتك، خذها وحدك..واسترح.