أصدقاؤك الخونة.. تراهم فتحسبهم ملائكة ضلت طريقها إلى الأرض، يحفرون القبور بعناية واحتراف، ينصبون الفخاخ والمشانق والمقاصل، لا يحسبونها بالعيش والملح، ولا يحرمون على أنفسهم الدسيسة والتآمر، ماهرون في التلون، عباقرة في مدحك وذبحك، تمد لهم اليد فيقطعونها، تسند ظهورهم حين تنحني فيكسرون ظهرك حين تكون في غفلة، يكرهونك لأنك نقيضهم.
ناعمون كملمس جلد الثعبان، تحسبه حريراً فتجده كفناً جاهزاً لميتتك المدبرة، لا يذكرون فضلاً لأحد، ولا يحملون عرفاناً لمن يستحق، ولاؤهم لمن يدفع ويزيد، لمن يغذي غرائزهم السوداء، لا يخجلون من النظر إلى المرآة، يصففون الشعر وتقع عيونهم على عيونهم فلا تطرف خجلاً مما يفعلون، ينامون بعمق لا تؤرقهم موازينهم المثقلة بالضغائن.
أسماؤهم طيبة، هدوؤهم هدوء الخدعة والتربص، تصافحهم وأنت ترى بعين قلبكَ دمكَ في أيديهم، لا يحبونك ولو صرت ملاكاً خالصاً، يحبون ورطتكَ وسقوطكَ، وعثراتك، يصلّون ويبتهلونَ أن يقصفَ اللَّه عمركَ، وأن يقعدكَ المرض، وتخنقكَ الديون، يمصمصون الشفاه يوم يصيبك الأذى وهم فرحون فيكَ، أحلامهم أن تكبر مصيبتك وأن تنسد الطرق أمامكَ، وأن تخسر من تحبهم ويحبونك لوجه الله، حين يرونكَ قادراً يكرهون قدرتكَ وما تقدر عليه، وحين يرونكَ واقفاً لا تشكو علةَ أو تعباً.. يتعبون.
تعرفهم على حقيقتهم فتطلب لهم الرحمة ولا تكرههم، ويعرفونكَ على حقيقتك فلا يطلبون المعذرة ويحبونك، وفاؤك يحرق دماءهم، وصدقك يقوض أنيابهم، وطيبتكَ تفسد ما تعده شياطينهم، يطلقون ألسنتهم المرة في الخفاء، يأكلون سيرتك ويتربصون بآخر الأحداث والأنباء، يبدأون الكذبة والشائعة، ويصدقونها كالغرباء، غايتهم أن تخسر، أن تتعثر، أن تتراجع ولو خطوة للوراء، خسارتك ترضي جنونهم، خسارتك تطفئ أحقادهم.
أصدقاؤك الطيبون.. تسعك قلوبهم حين تضيق بكَ الحياة، هم إخوة لم تلدهم أمك، يفزعون إذا مسك الضر، وتدمع عيونهم إذا احتبست في عينيك الدموع، بيتهم بيتكَ، أسراركَ في خزائنهم الموصدة، شركاء ذاكرتك وذكرياتك، إذا رويتَ عن نفسكَ كانوا في منتصف الرواية، وإذا وصفت الناس والأمكنة سكنوا قلب الحكاية، يقاسمونك التاريخ فرحاً•• وحزناً، ويقسمون بالله أنكَ الصديق الصدوق، وتقسم بالله أنهم الملاذ والسند، يصدون الأكاذيب عنك، ويضيئون طريقك فلا ينكسر ظهركَ، ويكشفون زيف أعدائك لمن لا يعرفك.
طيبون.. لا يبيعونك بمال الدنيا، تغادرهم حيناً من الوقت فلا يتغيرون، وتقيم بينهم فلا يتذمرون، تسألهم فيملأون قلبكَ، أسماؤهم قرينة اسمك، وأطيافهم تلون روحك بالطمأنينة، يدفعون عنك الأذى ولو تأذوا، يرجحون كفة إيمانك بالصدق والمحبة، ويسألونكَ ألا يقتلك الحزن حين يكاد يقتلك الحزن على ما يفعله الناس في الناس.
الأصدقاء الخونة..الأصدقاء الطيبون
اخر المقالات من لا يدخل الليل إلا وحيدا
لا أحتاج إلى كثير من الجهد لأكتب عن جرجس شكري، كما لا أحتاج إلى استدعاء التوتر
ثمة محبة تفيض في قلوبنا عادة تجاه ماضينا حتى لو كان كريهاً، نحن نتلهف إلى ما
كان طيباً وهادئاً، لكنني لم أحبه إلا حين كبُرت، وذهبت سذاجة الطفولة، لم يضر أحداً، ولم
ورطني رئيس التحرير يوماً في محبة هذا الرجل. لم أكن أعرفه عن قرب، كنت واحداً ممن
وجه أبيض مستدير، لحية صغيرة غريبة على أهل الجبال المغرمين باللحى الطويلة، طيب القلب كطفل أفلت