أحط بين يديك يا جميلة، لأعتذر عن حماقة صاحبي، جناحاي معطلان، جناحاي ثقيلان بالذنب حتى ترضين، أنا الفراشة، قلت له حين فتش عن وردة، خذني إليها، قلت له: الورد يموت، وأنا سأبقى شاهدة على صعودك الثامن، خذني إليها لأتكلم عنك كلما مرت أمامي، لأطير حتى كتفيها، وأقع على طرف شعرها الذي لم تلمسه منذ زمن سوى بعينيك.
أحط بين يديك يا جميلة، لأعتذر عن غباء صاحبي، أعرفه منذ راقبته في السوق، يبحث عن شيء يبقى، شيء يتحدث عنه، شيء يصل إلى ما لا يصل هو إليه، أعرفه صاحبي الغبي، يهدم ما يبني، يكلم نفسه حين يغيب اسمك عن أذنيه، يقولك كأنما تجهزين العشاء في الغرفة الأخرى، يلقي بالرماد على عينيه إذا غاب وجهك عن عينيه.
أحط بين يدك يا جميلة، لأعتذر عن غضبة صاحبي، هو – لو تعرفين – بعدك واحد ووحيد، هو – لو تعرفين – اكتفى بك، وزهد فيما لا يزهد فيه الناس، قال هي آيتي، وسري، وغاية روحي، قال هي جيم جنتي وجحيمي، هو – لو تعلمين – لا يجوع ولا يظمأ إلا إليك، ولا تطيب له أرض لا تطيب لك، يجن حين يرى سرير موته دون وداعك، يجن في الشوارع التي تمشي إليه إن تأخر ولم يمش إليها، الشوارع التي غيرت أسماءها وحملت اسماً واحداً هو اسمك، يقول له الناس: خذ عربة، واقطع الشارع الرئيسي، ادخل إلى منعطف جانبي، ادخل المقهى المجاور لبناية زرقاء، فإذا به يمر بك، ويدخل إليك، ويجدك في كل ناصية، جامعاً خلفك ما يموت به، وما يعيش عليه.
أحط بين يديك يا جميلة، لأعتذر عن غرائب صاحبي، يكره البيوت التي لم تدخلي إليها، النوم الذي لا يجيء بك، الماء والثلج حين لا يأخذانه إلى شفتيك، يكره الضحك حين لا يشبهك ولو مرة، المدن التي لا تخبيء له رائحتك مصادفة. صاحبي غريب في الحب، غريب في النقمة والعناد، في يده وردة وسيف، في عينيه عاشق وجلاد، صاحبي يا جميلة طيب وغبي.
أحط بين يديك لأعتذر وأقول: لم أر امرأة في قلب أحد، كما رأيت قلبك في قلبه، لم أعرف قداسة لواحدة قبل قداستك، ولم أختبر رجلاً ينزه امرأة عن السوء، كما ينزهك صاحبي عن كل سوء، ولأنه يعرفك يحبك، ولأنه يحبك ويعرفك لا يريد سواك، لأن ما عداك قبض ريح، كل ما عداك احتمال وارد بكلمتين، كل ما عداك رهن الوقت والحيلة، كل ما عداك غاية ووسيلة، فلا تصدقي حين يقول فيك غير ما يعرف عنك، لا تصدقي حين تتحدث شياطينه، ولا تأخذي من غضبته في الحب، غير الحب.
أحط بين يديك يا جميلة لأبريء صاحبي من الذنب لا من العشق، أرفع عنه سوء الأدب والخُلق، لأنه أمامك وحدك يضعف ويرق، أمامك وحدك يصبح ضوءاً يشف، أو عتمة من خوف، أمامك وحدك يجعل عينيه سلتين للون الحذاء، والأظافر، ورقة الحاجبين، وارتفاع الشعر تحت نظارة متبوعة بسؤال ..، نعومة الشفتين بالأحمر الخفيف، قلق البشرة في غياب السوار أسفل المعصم، الخطوط الثلاث للعينين لحظة الضحك، الدائرة غير المكتملة آخر خصلة الشعر، الديالوج الداخلي وقت الشرود والصمت.
أنا الفراشة يا جميلة
أحط بين يديك
لأعتذر عن غضبة صاحبي
وأطير بك إليه