بقلم : عيد عبد الحليم
“تمام الجحيم”.. هو الكتاب الأول للشاعر كمال عبد الحميد، والذى صدر عن المكتب المصرى للمطبوعات، ويضم نصاً واحداً أو كابوساً واحداً كما يراه صاحبه، وهو يمتد بتجلياته فى 99 صفحة ولا يكاد القارئ يدخل “تمام الجحيم” حتى تأخذه تلك التنهيدة الطويلة بدءاً من صفحة الإهداء حتى صفحة اكتمال الحالة أو بدايتها الثانية المفتوحة على قلق لا شفاء منه، وهذا النص الشعورى ورقة من أوراق قصيدة النثر، الشجرة التى كبرت واتسعت ظلالها بفعل التراكم والتجريب والوعي، ويبدو شاعر “تمام الجحيم” مسكونا إلى حد الموت بأسئلته الكبيرة والمشحونة بالتوتر، وهى أسئلة لا يطرحها كمال عبد الحميد فى نصه باحثاً عن تفسيرات أو اجابات مريحة، بل هو طرح مصدره القلق، وغايته ليست اطمئناناً تاماً أو حتى ناقصاً، بل غايته التوتر ذاته الذى خلق لديه السؤال، إنه مغرم بقلقه ولا يريد نهاية له، مغرم بتوتره ولا يرضى براحته وحين تجيء الأسئلة لتغلق من الأبواب أمامه ما كان موارباً منها، يجد أسئلة أخرى أكثر قسوة وحيرة:
لماذا أبقى وحيداً طالما الله فوقنا؟
فى “تمام الجحيم” تشعر بتلك الموسيقى العذبة التى تنزل إلى قلبك، وتلك الشفافية التى تعكسها المفردات الخارجة لتوها من عذابات كاتبها، من ارتباكه الإنسانى والطفولى أمام عتمة لا خيار له فيها:
الليلة / أحتاج نبوءة أخيرة / لأطل على جحيم “رامبو” / لأقول لحراس جهنم: الله أجمل مما قالت صديقتي / وأرحم من كتاب عذاب القبر
المفردة الشفافة غارقة فى الأسي، سهلة كالبكاء على قبر، لكنها عصية إلا على أولئك المفجوعين بالفقد، لذلك فإن “تمام الجيم” يذكرنا بالبكائيات فى قرى جنوب مصر أو ما يسمى “العدودة”، وقد ضمن الشاعر إحداها فى قصيدة الطويلة، فهو ابن هذه البيئة المفتوحة على الفرح القليل، والحزن العميق، وحين يهذى فى جحيمه لا تنطفئ نيرانه المتقدة أبداً، بل تزداد توهجاً، كأنما يشد الشاعر خيطاً من النار من صوت جدته العجوز وهى تنوح بـ “العدودة” الحزينة، فيبكى خلفها، وينشد وجه أمه وأبيه واخوته حين تجره نساء المدن الى حافة الجحيم
كأنها شقت عن صدرها / ملأت راحتيها دما وثعالب / أعطت اصابعها لصاحب البار/ لتعرف / كأنها مشت إلى النار / أخذت حكمتها / وبكت
هذا النص الواحد لا تستطيع حين تبدأ الدخول إليه أن تتوقف إلا على الحافة ذاتها التى يتأرجح فوقها الشاعر مع آخر سطر فى جحيمه.
كمال عبد الحميد كتب روحه المعذبة بالمرأة أو المدينة من دون أن يقع فى موجة التفاصيل اليومية، إن كتلة النار التى يلقى بها الشاعر فى وجوهنا تترك داخلنا شجناً جميلاً، وقلقاً أجمل حين تنكشف القصيدة عن روح تتصارع مع ذاتها.. مع خارجها.. مع انكسارات صاحبها وأوهامه أحياناً.
أنا قتيلك / عظامى فى القبر باردة / أشياؤك تشق قمصانها / وتكلم الله: ( نحن الفانون/ نمر كعابرى سبيل / ونسحق بين الرمال )
“تمام الجحيم” الذى صدر فى القاهرة عن المكتب المصرى للمطبوعات يقع فى 99 صفحة، وصمم غلافه الفنان حامد العوضي، وقد جاء النص دون تأريخ ربما عن قصد ليترك كمال عبد الحميد فى كتابه الأول بوابته مفتوحة على قلق دائم.. وتأويل آخر للزمن.. والمكان، اضافة الى أسئلته الكثيرة التى يزدحم بها النص عن الحب، الفقد، الحنين، الحياة والموت:
من أوهمك أننا سنطرق أبوابك بعنف / محملين بالهدايا لحراسك الخرافيين / هذه ميتتك وحدك / خذيها كاملة
شاعر “تمام الجحيم” يذكرنا بأولئك الرومانسيين المتعبين بالأنا والآخر، وبالمرأة وما تصنعه من فرح، وما تتركه من جروح:
تركت فيك ما لا يشفى بعدى
هكذا نتعاطى الحزن عبر لغة تشف وتشير وترمز وتدل، وليس ثمة تقريرية أو استطراد ربما سرد مكثف تفرضه الحالة والحوارية بين الشاعر وذاته من ناحية، وبين الشاعر وامرأته المستحيلة المهلكة التى يتبعها هو جريحا يهذي:
كيف تجرؤين على النظر فى عينيه / كأنما لم تنظرى فى عيني؟ / بإذنك تنسحب الرحمة من حولي / والنمل هداياك الاخيرة
……. موقع العرب أونلاين 26-9-2005 …….
هذا النص الواحد لا تستطيع حين تبدأ الدخول إليه أن تتوقف إلا على الحافة ذاتها التى يتأرجح فوقها الشاعر مع آخر سطر فى جحيمه.
كمال عبد الحميد كتب روحه المعذبة بالمرأة أو المدينة من دون أن يقع فى موجة التفاصيل اليومية، إن كتلة النار التى يلقى بها الشاعر فى وجوهنا تترك داخلنا شجناً جميلاً، وقلقاً أجمل حين تنكشف القصيدة عن روح تتصارع مع ذاتها.. مع خارجها.. مع انكسارات صاحبها وأوهامه أحياناً.
أنا قتيلك / عظامى فى القبر باردة / أشياؤك تشق قمصانها / وتكلم الله: ( نحن الفانون/ نمر كعابرى سبيل / ونسحق بين الرمال )
“تمام الجحيم” الذى صدر فى القاهرة عن المكتب المصرى للمطبوعات يقع فى 99 صفحة، وصمم غلافه الفنان حامد العوضي، وقد جاء النص دون تأريخ ربما عن قصد ليترك كمال عبد الحميد فى كتابه الأول بوابته مفتوحة على قلق دائم.. وتأويل آخر للزمن.. والمكان، اضافة الى أسئلته الكثيرة التى يزدحم بها النص عن الحب، الفقد، الحنين، الحياة والموت:
من أوهمك أننا سنطرق أبوابك بعنف / محملين بالهدايا لحراسك الخرافيين / هذه ميتتك وحدك / خذيها كاملة
شاعر “تمام الجحيم” يذكرنا بأولئك الرومانسيين المتعبين بالأنا والآخر، وبالمرأة وما تصنعه من فرح، وما تتركه من جروح:
تركت فيك ما لا يشفى بعدى
هكذا نتعاطى الحزن عبر لغة تشف وتشير وترمز وتدل، وليس ثمة تقريرية أو استطراد ربما سرد مكثف تفرضه الحالة والحوارية بين الشاعر وذاته من ناحية، وبين الشاعر وامرأته المستحيلة المهلكة التى يتبعها هو جريحا يهذي:
كيف تجرؤين على النظر فى عينيه / كأنما لم تنظرى فى عيني؟ / بإذنك تنسحب الرحمة من حولي / والنمل هداياك الاخيرة
……. موقع العرب أونلاين 26-9-2005 …….